مقدمة
تعمل الشركات المساهمة العاملة في الصناعة والمقاولات في بيئة مليئة بالمخاطر التعاقدية والمالية؛ فالمشروعات الرأسمالية الكبرى، وعقود المقاولات طويلة الأجل، وترتيبات التمويل مع البنوك والجهات الحكومية، تجعل أي نزاع قد ينشأ حول التنفيذ أو التأخير أو الجودة ذا أثر مباشر على أموال المساهمين وسمعة الشركة. في هذا السياق يصبح اختيار محكم مناسب للنزاع خطوة حاسمة، لأنه هو الشخص الذي سيفصل في مصير المشروع، وفي التزامات الشركة تجاه شركائها ومموليها، وفي قدرة الشركة على تنفيذ التزاماتها النظامية والإفصاحية.
ومن ثمّ، لا ينبغي أن يُنظر إلى اختيار محكم على أنه إجراء قانوني تقني تقوم به إدارة الشؤون القانونية فحسب، بل هو قرار حوكمة يرتبط بمسؤولية مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية عن إدارة المخاطر، وحماية حقوق المساهمين، والوفاء بمتطلبات حوكمة الشركات في النظام السعودي.
ماذا ستقرأ في هذا المقال؟
- خصوصية منازعات الصناعة والمقاولات في الشركات المساهمة وعلاقتها بقرار اختيار محكم.
- أهم شروط اختيار المحكمين ومعايير الملاءمة الفنية والقانونية والاستقلال.
- دور مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية في الإشراف على كيفية اختيار المحكم وربط القرار بمنظومة الحوكمة وإدارة المخاطر.
- أبرز الأخطاء الشائعة عند اختيار المحكمين في الشركات المساهمة.
- خطوات عملية لصياغة سياسة داخلية تحكم اختيار محكم في منازعات الصناعة والمقاولات.
نبذة عن الكاتب
المحامي والمحكَّم محمد المزيّن، بخبرة تمتد لأكثر من خمسة عشر عامًا، متخصص في قضايا المقاولات والنزاعات الإنشائية والعقود الحكومية وعقود الامتياز التجاري. حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق من جامعة الملك سعود بالرياض عام 2009م، ويمتلك خبرة عملية واسعة من خلال عمله مع عدد من الشركات الوطنية الكبرى، منها مجموعة المجدوعي، وشركة بن زقر، وشركة الاستثمارات التعدينية المتحدة، وشركة الموارد المساهمة المدرجة، وشركة البترول الذهبي للاستثمار.
السؤال الأول: ما خصوصية منازعات الصناعة والمقاولات في الشركات المساهمة وعلاقتها بقرار اختيار محكم؟
منازعات الصناعة والمقاولات في الشركات المساهمة ليست نزاعات بسيطة أو محدودة الأثر، بل غالباً ما تكون:
- مرتبطة بمشروعات رأسمالية ضخمة تشكل نسبة جوهرية من أصول الشركة.
- متشابكة مع عقود تمويل مصرفي أو ترتيبات شراكة مع مستثمرين محليين وأجانب.
- خاضعة لالتزامات إفصاح أمام هيئة السوق المالية والمساهمين إذا كانت الشركة مدرجة.
- ذات طبيعة فنية معقّدة تستلزم فهماً لتقارير الخبراء، وجداول التأخير، والمواصفات الفنية، وأداء المنشأة بعد التشغيل.
هذا الواقع يجعل اختيار محكم للنزاع قراراً يحمل أبعاداً نظامية ومالية وحوكمية؛ لأن الحكم الصادر قد يترتب عليه:
- تحمل الشركة لتعويضات أو مبالغ ضخمة.
- فسخ أو استمرار عقود استراتيجية.
- تأثير مباشر في المؤشرات المالية والتدفقات النقدية.
- انعكاسات على السمعة والثقة في قدرة الشركة على إدارة مشروعاتها.
لذلك يجب أن تتم عملية اختيار المحكمين وفق معايير مؤسسية معتمدة، لا بناءً على تقديرات فردية أو علاقات شخصية.
السؤال الثاني: ما المعايير الجوهرية وشروط اختيار المحكمين في منازعات الصناعة والمقاولات؟
1. التخصص الفني في مشاريع الصناعة والمقاولات
من أهم شروط اختيار المحكمين أن يكون لديهم:
- تجربة عملية أو تحكيمية سابقة في نزاعات مصانع، محطات طاقة، بنية تحتية، مجمعات صناعية، أو مشاريع مقاولات كبرى.
- إلمام بمنهجيات تحليل التأخير وأساليب تقييم المطالبات الفنية.
- قدرة على قراءة المخططات، والجداول الزمنية، وتقارير الصيانة والتشغيل.
فمجرد إلمام عام بالتحكيم التجاري لا يكفي عندما يكون النزاع متشعباً فنياً ومتداخلاً بين عدة عقود.
2. الملاءمة القانونية مع القانون الواجب التطبيق ومقعد التحكيم
عند اختيار محكم يجب التحقق من:
- خبرته بالقانون الواجب التطبيق على العقد (كالقانون السعودي أو غيره).
- معرفته بآثار مقعد التحكيم على الإبطال والتنفيذ والنظام العام.
القصور في هذه الجوانب قد يؤدي إلى إصدار حكم قابل للطعن أو صعب التنفيذ، وهو ما يشكل مخاطرة مباشرة على أموال المساهمين.
3. الكفاءة الإجرائية في إدارة تحكيم معقّد
من شروط اختيار المحكمين كذلك:
- القدرة على وضع جدول زمني واقعي وضبطه.
- إدارة جلسات سماع الشهود والخبراء بفعالية.
- تنظيم تبادل المذكرات والمستندات بما يقلل العبء على إدارة الشركة.
محكّم يفتقر لهذه الكفاءة قد يحوّل النزاع إلى عبء طويل يستنزف وقت الإدارة التنفيذية وموارد الشركة.
4. الحياد والاستقلال عن أطراف النزاع
عند بحث كيفية اختيار المحكم لا بد من العناية بمسألة الاستقلال، من خلال:
- طلب إفصاح مكتوب عن أي علاقة مهنية أو تجارية سابقة مع الشركة أو خصومها أو ممولي المشروع.
- التحقق من عدم وجود ارتباطات جوهرية مع مكاتب محاماة أو بيوت خبرة تعمل مع الأطراف ذاتها.
اختيار محكم يشوبه تعارض مصالح قد يؤدي إلى طلب عزله أو الطعن في الحكم وفقدان الثقة في العملية برمتها.
5. الإلمام بالعقود الدولية الشائعة في القطاع
من المهم أن يكون المحكّم ملماً بـ:
- عقود FIDIC، وعقود EPC، وترتيبات BOT/PPP.
- آليات أوامر التغيير، تمديد المدة، القوة القاهرة، والتغيّر في القوانين.
هذا الشرط يجعل اختيار محكم متمرس في فلسفة توزيع المخاطر في مثل هذه العقود، وهو ما يعين على إصدار حكم تجاري متوازن.
6. الخبرة في التحكيم الدولي والعمل مع فرق متعددة الجنسيات
في المشاريع المشتركة مع شركاء أو مقاولين أجانب، يُفضّل أن يكون المحكّم:
- خبيراً بالتحكيم الدولي وقواعده (ICC، LCIA، SCCA وغيرها).
- متعوداً على الترافع بالإنجليزية والتعامل مع مكاتب محاماة عالمية.
هذا يعزّز موقف الشركة في مواجهة خصوم قد يمتلكون خبرات دولية واسعة في إدارة التحكيم.
فقرة الاستشارة القانونية
للحصول على استشارة متخصصة حول اختيار محكم في منازعات الصناعة والمقاولات، ووضع سياسة مؤسسية لاختيار المحكمين تتوافق مع حوكمة الشركات المساهمة والأنظمة السعودية، يمكنك التواصل مع مكتب المحامي والمحكَّم محمد المزيّن لمراجعة عقودك الحالية ونزاعاتك القائمة ووضع إطار عملي لإدارتها.
السؤال الثالث: ما دور مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية في كيفية اختيار المحكم وربطه بالحوكمة؟
الجواب:
من منظور حوكمة الشركات، يتحمل مجلس الإدارة مسؤولية:
- اعتماد سياسة مكتوبة لاختيار المحكمين
تتضمن معايير واضحة لـ شروط اختيار المحكمين، وآلية التحقق من الاستقلال، وتحديد الجهات الداخلية المخولة بالترشيح والاعتماد. - متابعة المنازعات الجوهرية
بحيث تُرفع النزاعات ذات الأثر الكبير على المركز المالي أو السمعة إلى مجلس الإدارة أو لجنة المراجعة/المخاطر، مع عرض بدائل اختيار محكم والآثار المتوقعة لكل خيار. - إدارة الإفصاح والمخصصات المحاسبية
عندما يكون النزاع جوهرياً، يجب مراعاة تأثيره على القوائم المالية ومتطلبات الإفصاح النظامية، وربط ذلك بخيارات التسوية أو الاستمرار في التحكيم.
أما الإدارة التنفيذية فيقع على عاتقها:
- إعداد ملف متكامل عن النزاع من حيث الوقائع الفنية والمالية والقانونية.
- تقديم توصيات عملية حول كيفية اختيار المحكم الأنسب لطبيعة المشروع.
- التنسيق بين الشؤون القانونية والمشاريع والمالية أثناء سير التحكيم.
السؤال الرابع: ما الأخطاء الشائعة عند اختيار محكم أو اختيار المحكمين في الشركات المساهمة؟
الجواب:
من أبرز الأخطاء العملية:
- الاعتماد على السمعة العامة أو المعرفة الشخصية
أي اختيار محكم لمجرد شهرته في الأوساط القانونية أو العلاقة الشخصية مع أحد مسؤولي الشركة، دون تمحيص في مدى ملاءمته لمنازعات الصناعة والمقاولات. - تغليب عامل اللغة أو الجنسية
تفضيل محكّم يشارك الإدارة لغتها أو جنسيته على حساب خبرته الفنية والقانونية، مما يضعف جودة الحكم. - إهمال الفحص الجدي لتعارض المصالح
الاكتفاء بإفصاح شكلي دون بحث إضافي في علاقات المحكم بمكاتب المحاماة أو الممولين أو المنافسين. - عدم تقييم الكفاءة الإجرائية
التركيز على السيرة الذاتية الأكاديمية دون سؤال عن خبرة المحكم العملية في إدارة قضايا ضخمة وكثيفة المستندات.
السؤال الخامس: ما الخطوات العملية لصياغة سياسة داخلية تحكم اختيار محكم في منازعات الصناعة والمقاولات؟
الجواب:
يمكن للشركة المساهمة أن تتبنى الخطوات الآتية:
- إعداد وثيقة سياسة لاختيار المحكمين تحدد الكفاءات المطلوبة، وعدد سنوات الخبرة، ونوع المشاريع المقبولة، واللغات، والخبرة بالنظام السعودي.
- إنشاء قائمة داخلية للمحكمين المعتمدين تُحدّث دورياً، وتُبنى على تقييم موضوعي لخبراتهم في الصناعة والمقاولات.
- ربط قرار اختيار محكم بمراجعة لجنة المراجعة أو لجنة المخاطر في القضايا الجوهرية.
- الاستفادة من قوائم مراكز التحكيم المعروفة، مع الحفاظ على تواصل مؤسسي منتظم معها.
- توثيق كل قرار بتعيين محكم في محضر رسمي يذكر الأسباب والمعايير التي بُني عليها الاختيار؛ تعزيزاً للشفافية والحوكمة.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
س: هل يكفي أن تترك الشركة قرار اختيار محكم للمستشار الخارجي؟
ج: لا يُنصح بذلك في المنازعات الجوهرية؛ بل يجب أن يكون للمستشار دور فني في الترشيح، مع بقاء قرار الاعتماد النهائي ضمن إطار حوكمي يشمل مجلس الإدارة أو لجانه المختصة.
س: ما هي شروط تعيين المحكم؟
ج: من أهم الشروط: الأهلية القانونية، والاستقلال والحياد، والكفاءة الفنية في موضوع النزاع، والخبرة بالنظام والقواعد الإجرائية المطبقة، إضافة إلى عدم وجود تعارض مصالح يؤثر في حياده.
س: من هو المحكم الذي يتم اختياره في منازعات الصناعة والمقاولات؟
ج: الأفضل أن يكون محكّماً يجمع بين خبرة التحكيم التجاري وخبرة عملية في مشاريع الصناعة والمقاولات، مع إلمام بعقود FIDIC أو EPC وبالبيئة النظامية المحلية مثل النظام السعودي.
س: كيف يتم تعيين هيئة التحكيم في عقود الشركات المساهمة؟
ج: عادةً يحدد العقد آلية التعيين (محكم عن كل طرف ومحكم مرجّح، أو تعيين من مركز تحكيم)، وعلى الشركة الالتزام بهذه الآلية مع تطبيق سياستها الداخلية في اختيار محكم مناسب من حيث الخبرة والاستقلال.
س: من يدفع رسوم التحكيم في منازعات الصناعة والمقاولات؟
ج: غالباً ما تُدفع الرسوم مقدماً من طرف أو من الطرفين بحسب ما تقرره قواعد مركز التحكيم أو ما يتفق عليه الأطراف، ثم يحدّد الحكم النهائي الجهة التي تتحمل الرسوم والمصاريف في ضوء نتيجة النزاع.
س: هل من الضروري وجود أكثر من محكم في النزاعات الكبرى؟
ج: في المنازعات ذات القيمة العالية أو المسائل الفنية المعقدة، يُفضّل غالباً تشكيل هيئة من ثلاثة محكّمين لضمان تنوع الخبرات، لكن الأمر في النهاية يخضع لما ينص عليه شرط التحكيم واتفاق الأطراف.
خاتمة
يتضح من العرض السابق أن قرار اختيار محكم في منازعات الصناعة والمقاولات للشركات المساهمة هو قرار حوكمة متكامل، لا مجرد خطوة إجرائية في مسار النزاع. فالمحكّم الذي يتم اختياره يؤثر في النتيجة المالية للمشروع، وفي مستوى المخاطر القانونية، وفي ثقة المساهمين والممولين في إدارة الشركة. وكلما كانت شروط اختيار المحكمين واضحة ومكتوبة ومتصلة بإدارة المخاطر والحوكمة، زادت قدرة الشركة على حماية مصالحها وتقليل تكلفة النزاعات وتسريع حسمها.
مقالات ذات صلة
- مقال بعنوان: تأسيس شركة صناعية في السعودية
- مقال بعنوان: تأسيس شركة مقاولات أجنبية في السعودية
ملخص
هذا المقال يشرح كيف يجب أن تنظر الشركات المساهمة العاملة في الصناعة والمقاولات إلى اختيار محكم بوصفه قرار حوكمة ينعكس على أموال المساهمين والمركز المالي للشركة. يوضّح أهم شروط اختيار المحكمين من حيث التخصص الفني، والخبرة القانونية، والاستقلال، ودور مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية في وضع سياسة مؤسسية لاختيار المحكمين وإدارة النزاعات. كما يجيب عن أبرز الأسئلة العملية المتعلقة بتعيين هيئة التحكيم ورسومها في منازعات الصناعة والمقاولات.

