في بيئة الأعمال السعودية التي تشهد تحولًا مستمرًا في أنواع الشركات وهياكلها، تتعدد صور الشراكات بين الظاهرة والمستترة، وتزداد الحاجة إلى فهم دقيق للمبادئ القانونية التي تنظم العلاقة بين الشركاء وتحمي حقوقهم عند التحول النظامي. ويُعد مبدأ استمرارية الأثر النظامي لشركة المحاصة في النظام السعودي أحد المفاهيم القانونية الجوهرية التي تُبرزها الأحكام القضائية الحديثة، إذ يكرّس هذا المبدأ حماية الشركاء من ضياع حقوقهم عند انتقال الكيان التجاري من شكل مستتر إلى كيان نظامي ظاهر كالشركة ذات المسؤولية المحدودة.
ماذا ستقرأ في هذا المقال؟
- تعريف شركة المحاصة في النظام السعودي وأثرها القانوني.
- الإشكالية النظامية عند تحول المنشأة إلى شركة نظامية.
- موقف القضاء التجاري من استمرار الأثر النظامي للشراكة.
- من المسؤول عن تنفيذ الحكم بعد إثبات الشراكة؟
- أبرز التوصيات القانونية لتفادي ضياع الحقوق بين الشركاء.
نبذة عن الكاتب
المحامي والمحكَّم محمد المزيّن، بخبرة تمتد لأكثر من خمسة عشر عامًا، متخصص في قضايا المقاولات والنزاعات الإنشائية والعقود الحكومية وعقود الامتياز التجاري. حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق من جامعة الملك سعود بالرياض عام 2009م، ويمتلك خبرة عملية واسعة من خلال عمله مع عدد من الشركات الوطنية الكبرى، منها مجموعة المجدوعي، وشركة بن زقر، وشركة الاستثمارات التعدينية المتحدة، وشركة الموارد المساهمة المدرجة، وشركة البترول الذهبي للاستثمار.
ما المقصود بشركة المحاصة؟ وما أثرها النظامي؟
نص نظام الشركات السعودي على أنواع متعددة من الكيانات التجارية، من بينها شركة التضامن والشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة المحاصة. وتُعد شركة المحاصة شركة مستترة لا تتمتع بشخصية اعتبارية، ولا تُسجل في السجل التجاري، وإنما تقوم على اتفاق بين شخصين أو أكثر لتقاسم الأرباح والخسائر الناتجة عن نشاط معين. ورغم أنها غير مسجلة رسميًا، إلا أن أثرها النظامي قائم بين الشركاء، وتنتج التزامات قانونية معتبرة يمكن المطالبة بها أمام القضاء عند النزاع.
هل تزول حقوق الشريك المحاصّ بعد تحول المنشأة إلى شركة نظامية؟
يطرح هذا السؤال نفسه في كثير من النزاعات التجارية:
هل يفقد الشريك المحاصّ حقه عند تحول المنشأة إلى شركة ذات مسؤولية محدودة دون ذكر اسمه في عقد التأسيس؟
الإجابة وفقًا لاجتهاد القضاء التجاري السعودي: لا تزول الحقوق بتغير الشكل النظامي. فإذا ثبت أن الشريك المحاصّ ساهم في التمويل أو الإدارة أو الأصول، فإن حقه النظامي يبقى قائمًا حتى بعد التحول، ما لم يتم الاتفاق صراحة على إسقاطه. القضاء السعودي أقرّ أن العلاقة التعاقدية التي نشأت في شركة المحاصة تمتد بآثارها القانونية إلى ما بعد التحول النظامي، وهو ما يكرّس مبدأ العدالة ويحمي الشركاء من فقدان حقوقهم بسبب الشكل النظامي الجديد.
للحصول على استشارة قانونية
للحصول على استشارة قانونية متخصصة في قضايا الشركات أو النزاعات التجارية، يمكنك التواصل مع مكتب المحامي محمد المزيّن، الذي يمتلك خبرة عميقة في قضايا الشراكات والتحكيم التجاري والعقود النظامية.
كيف تعامل القضاء التجاري السعودي مع هذه القضايا؟
أرست المحاكم التجارية في المملكة مبدأ قضائيًا مهمًا مؤداه أن شركة المحاصة تظل منتجة لأثرها النظامي ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك. ومن التطبيقات العملية لذلك ما صدر عن المحكمة التجارية بالرياض في قضية شريك محاصّ طالب بإثبات شراكته بنسبة 12% في شركة تعليمية تحولت من مؤسسة فردية إلى شركة ذات مسؤولية محدودة دون إدراجه في عقد التأسيس. ورغم مرور الوقت وتداول الحصص بين الشركاء، قضت المحكمة بإثبات حقه وإلزام الشركاء بإجراء التعديل النظامي لعقد التأسيس، استنادًا إلى الأدلة والإقرارات المتبادلة بينهم.
من المسؤول عن تنفيذ الحكم: المدير أم الشركاء؟
عند صدور حكم قضائي بإثبات شراكة أحد الأطراف أو إلزام الشركة بتعديل عقد التأسيس، يثور تساؤل حول الجهة المسؤولة عن التنفيذ. الراجح قضائيًا أن الحكم يُوجَّه إلى جميع الشركاء، لأن تعديل عقد التأسيس لا يتم إلا بموافقتهم الجماعية، حتى لو كان المدير هو المنفذ الفعلي للإجراءات. وهذا يعزز مبدأ المسؤولية التضامنية بين الشركاء ويمنع تعطيل تنفيذ الأحكام القضائية بدعوى الصلاحيات الإدارية.
ما الآثار القانونية لتجاهل الشريك المحاصّ؟
- ضياع حق التصويت والمشاركة في قرارات الجمعية أو مجلس الشركاء.
- الحرمان من الاطلاع على الحسابات والسجلات المالية.
- فقدان الحق في الاسترداد أو الشفعة عند بيع الحصص.
- إطالة أمد النزاع القضائي لإثبات الحقوق النظامية.
ما التوصيات القانونية لحماية الشركاء؟
- توثيق علاقة المحاصة كتابةً حتى لو لم تكن الشركة مسجلة رسميًا.
- إثبات المساهمات المالية والمادية بالأدلة النظامية مثل التحويلات والفواتير والمراسلات.
- إدراج جميع الشركاء في عقد التأسيس الجديد عند التحول إلى شركة نظامية.
- تحديد الأدوار والمسؤوليات منذ بداية العلاقة التجارية.
ما دور المحامي التجاري في حماية حقوق الشركاء؟
يُعد المحامي التجاري شريكًا أساسيًا في ضمان استقرار العلاقة القانونية بين الشركاء، ليس فقط أثناء النزاع بل منذ التأسيس. فهو من يراجع العقود، ويقترح الصياغات القانونية التي تحفظ الحقوق، ويتابع إجراءات التحول النظامي، ويُمثل العملاء أمام الجهات القضائية. ومن خلال الخبرة القانونية المتخصصة، يمكن للمحامي التجاري أن يمنع ضياع الحقوق الناتجة عن الجهل بالنظام أو ضعف التوثيق.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
1. هل تُسجل شركة المحاصة في السجل التجاري؟
لا، فهي شركة مستترة لا تظهر أمام الغير، لكن يمكن إثباتها أمام القضاء بالأدلة النظامية.
2. هل يمكن للشريك المحاصّ رفع دعوى لإثبات شراكته؟
نعم، متى ما وُجدت أدلة تثبت المساهمة في المشروع قبل التحول النظامي.
3. هل يسقط أثر شركة المحاصة بتحول الكيان إلى شركة نظامية؟
لا، ما لم يُتفق صراحة على إسقاطها في عقد مكتوب وموقع من الأطراف.
4. ما المدة النظامية للمطالبة بالحقوق في شركة المحاصة؟
تخضع للمواعيد العامة للدعاوى التجارية، ويُفضل عدم التأخير في رفع الدعوى.
5. هل يحق للشريك المحاصّ الاطلاع على حسابات الشركة بعد التحول؟
نعم، إذا ثبت استمرار أثر المحاصة النظامي بينه وبين بقية الشركاء.
الخاتمة
يؤكد القضاء التجاري السعودي مبدأً راسخًا مفاده أن الحقوق لا تزول بتغير الشكل النظامي للشركة، وأن شركة المحاصة تظل منتجة لأثرها النظامي بين الشركاء ما لم يُتفق صراحة على خلاف ذلك. ولذلك، فإن الوعي القانوني المسبق والتوثيق الدقيق لعقود الشراكة يعدان الوسيلة الأنجع لحماية الحقوق وتعزيز الثقة في بيئة الأعمال السعودية.

