العلاقة بين التحكيم التجاري والنظام القضائي السعودي

التحكيم التجاري هو إحدى الوسائل البديلة الفعالة لحل النزاعات في مجال الأعمال والتجارة في السعودية ومع التطور السريع في القطاع التجاري على المستوى المحلي والدولي أصبح التحكيم يلعب دوراً جوهرياً في تقديم حلول سريعة ومرنة لحل النزاعات بعيداً عن الإجراءات التقليدية للمحاكم.

ولأن إجراءات التحكيم تتسم بالخصوصية والمرونة فإن دور المحامي يصبح أكثر أهمية في ضمان حقوق الأطراف وتوجيههم خلال هذا الإجراء فى السعودية كغيرها من الدول المتقدمة وضعت إطاراً قانونياً متطوراً للتحكيم التجاري مما يعكس سعيها لتسهيل الأعمال وتعزيز البيئة التجارية. 

 

مفهوم التحكيم التجاري 

التحكيم التجاري هو وسيلة قانونية بديلة لحل النزاعات الناشئة عن العلاقات التجارية يتم بموجبها إحالة النزاع إلى محكم أو هيئة تحكيم مستقلة بدلاً من اللجوء إلى المحاكم ويكون قرار التحكيم ملزماً ونهائياً للأطراف مما يوفر وقتاً وجهداً مقارنة بالإجراءات القضائية التقليدية.

ومما يميز التحكيم التجاري هو إمكانية اختيار المحكمين بناءً على تخصصهم وخبراتهم في المجال التجاري محل النزاع مما يسهم في توفير قرارات عادلة وفعالة وفي السعودية تم تعزيز هذا الجانب من خلال نظام التحكيم وهو النظام الذي صدر في السعودية لكي يساعد المحكمين في تطبيق المعايير الدولية في تسوية النزاعات التجارية بعيدا عن القضاء. 

 

دور المحامي في إجراءات التحكيم

يعد دور المحامي جزء لا يتجزأ من عملية التحكيم كونه يقدم الاستشارة القانونية ويمثل موكله ليضمن حقوقه أثناء سير الدعوى التحكيمية بدءاً من مرحلة صياغة شرط التحكيم في العقد حتى تنفيذ حكم التحكيم.

حيث أن المحامي يلعب دوراً محورياً في كل مرحلة من مراحل التحكيم بدءاً من صياغة الاتفاقيات التجارية ومروراً بإجراءات رفع الدعوى التحكيمية ووصولاً إلى مرحلة تنفيذ القرار دعونا نلقي نظرة تفصيلية على هذا الدور في كل مرحلة:

 

ماهي مراحل التحكيم

ماهي مراحل التحكيم

 

1- مرحلة ما قبل النزاع

قبل أن ينشأ النزاع التجاري يتولى المحامي دور المستشار القانوني الذي يوجه الأطراف حول كيفية تجنب المنازعات قدر الإمكان ومن أهم النصائح التي يقدمها المحامي هي تضمين بنود التحكيم في العقود التجارية حيث تعتبر هذه البنود ضمانة للتوجه نحو التحكيم كوسيلة لحل أي نزاع قد يطرأ، يقوم المحامي بصياغة البنود التحكيمية بطريقة دقيقة ويحرص على أن تكون البنود واضحة بشأن عدد المحكمين مكان التحكيم والقوانين المطبقة على النزاع. 

 

2- مرحلة تقديم الدعوى التحكيمية

 بداية يستلزم اللجوء إلى التحكيم اتفاق الأطراف على خضوع المنازعة للتحكيم ، وذلك من خلال إضافة شرط تحكيم بالعقد أو باتفاق تحكيم منفصل (مشارطة التحكيم)، وهنا يأتي دور المحامي في صياغة شرط أو اتفاق التحكيم ودعم العميل عن طريق تقديم الاستشارات القانونية اللازمة لتحديد موقفه القانوني والقانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم ، وتحديد لعملية المخاطر القانونية التي قد تنشأ عنها نزاعات مستقبلية قد تؤثر على موقفه القانوني.

في حال وقوع النزاع يكون دور المحامي في تقديم الدعوى أو الدفاع هو الأساس في بناء قضية موكله في هذه المرحلة يقوم المحامي بتحضير طلب التحكيم الذي يشمل سرد الحقائق والتفاصيل المتعلقة بالنزاع وتقديم الأدلة والشواهد اللازمة و هذا الدور يتطلب مهارات عالية في صياغة الوثائق القانونية وتنظيمها كما يتطلب من المحامي أن يكون متمكناً من القانون التجاري المعمول به داخل المملكة وخارجها.

 

3- مرحلة نظر الدعوى التحكيمية

تعد هذه المرحلة من أهم المراحل التي يظهر فيها دور المحامي بوضوح، حيث يتعين عليه تمثيل موكله أمام هيئة التحكيم. في هذه الجلسات، يقوم المحامي بتقديم المرافعات القانونية، والدفوع المناسبة، واستجواب الشهود عند الضرورة. كما يتطلب من المحامي مهارات تفاوضية كبيرة، حيث أن التحكيم يتسم بالمرونة وقد يتطلب منه التوصل إلى حلول وسط قبل صدور القرار النهائي.

 

4- مرحلة تنفيذ قرار التحكيم

بعد انتهاء هيئة التحكيم من إصدار قرارها يبدأ دور المحامي في مرحلة التنفيذ في السعودية يجب أن يتم تنفيذ قرارات التحكيم عبر الجهات القضائية المختصة حيث يقوم المحامي بتقديم طلب تنفيذ القرار أمام المحكمة المختصة التي تتحقق من مدى توافق القرار مع أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام.

 

 العلاقة بين التحكيم التجاري والنظام القضائي السعودي

النظام القضائي السعودي له طبيعة خاصة مستمدة من الشريعة الإسلامية مما يجعل التحكيم في المملكة يحمل طابعاً فريداً ومن هنا تأتي أهمية نظام التحكيم السعودي، والذي يسعى إلى تحقيق توازن بين المعايير الدولية للتحكيم ومتطلبات الشريعة الإسلامية هذا النظام يعزز من استقلالية الهيئات التحكيمية لكنه في نفس الوقت يمنح القضاء السعودي دوراً في مراجعة قرارات التحكيم خاصة إذا كانت هذه القرارات تتعارض مع النظام العام أو الشريعة.

كما يتيح النظام للأطراف إمكانية الطعن في قرارات التحكيم في حالات محددة مثل مخالفة الشريعة أو ثبوت فساد في إجراءات التحكيم وهذا يعكس التزام النظام القانوني السعودي بتحقيق العدالة وحماية الحقوق دون الإخلال بحرية الأطراف في اللجوء إلى التحكيم كوسيلة بديلة لحل النزاعات. 

 

التحديات التي تواجه المحامي في التحكيم التجاري

على الرغم من المزايا الكبيرة التي يوفرها التحكيم يواجه المحامون تحديات عدة في إجراءات التحكيم التجاري في السعودية من بين أبرز هذه التحديات هو التوفيق بين المعايير الدولية للتحكيم ومتطلبات الشريعة الإسلامية إذ قد تتعارض بعض القرارات التحكيمية مع أحكام الشريعة مما يستدعي من المحامي دراسة عميقة لكل من القوانين الدولية والمحلية لضمان توافق القرار مع النظام العام.

من التحديات الأخرى التي تواجه المحامي هي صعوبة تنفيذ بعض قرارات التحكيم الأجنبية في السعودية رغم وجود اتفاقيات دولية مثل اتفاقية نيويورك لعام 1958 التي تسهل الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية إلا أن تطبيق هذه الاتفاقيات في السعودية يخضع لشروط خاصة تتعلق بالتوافق مع الشريعة والنظام العام. 

 

مستقبل التحكيم التجاري في السعودية

مع التحولات الاقتصادية الكبرى التي تشهدها المملكة في إطار رؤية 2030 من المتوقع أن يلعب التحكيم التجاري دوراً متزايداً في تعزيز البيئة الاستثمارية في السعودية تسعى جاهدة لتطوير منظومة تشريعية متكاملة تدعم التحكيم وتجعله الخيار الأول للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء ويعتبر المحامون جزءاً لا يتجزأ من هذا التطور حيث يتعين عليهم مواكبة التطورات التشريعية وتقديم المشورة القانونية بما يتماشى مع هذه التحولات.

في الختام يعد التحكيم التجاري في السعودية وسيلة قانونية فعالة لحل النزاعات تساهم في تسريع الإجراءات وتخفيف الأعباء عن المحاكم التقليدية كما ويلعب المحامي دوراً أساسياً في جميع مراحل التحكيم سواء في تقديم المشورة القانونية أو تمثيل موكله أمام هيئة التحكيم أو متابعة تنفيذ القرارات وفي ظل التطورات الاقتصادية والتشريعية التي تشهدها السعودية سيظل التحكيم التجاري أداة محورية في تعزيز المناخ الاستثماري وحماية حقوق الأطراف.