المقدمة التمهيدية
تحتل أتعاب المحكّمين مكانة محورية في قرارات الشركات عند التفكير في اللجوء إلى التحكيم بدلاً من القضاء؛ لأن التكلفة ليست مجرد بند جانبي، بل عنصر يدخل مباشرة في حسابات إدارة المخاطر والسيولة وحوكمة اتخاذ القرار. وقبل أن توافق الإدارة التنفيذية أو مجلس الإدارة على تفعيل شرط التحكيم في نزاع قائم، يبرز سؤال عملي: ما حجم أتعاب المحكّم؟ وكيف تُحتسب؟ وهل يمكن ضبطها ضمن نطاق معقول يمكن التفاوض حوله؟
ماذا ستقرأ في هذا المقال؟
- تعريف عملي لمفهوم أتعاب المحكّمين وعلاقتها بسياسة إدارة المخاطر في الشركات.
- جدول مبسّط لشرائح أتعاب المحكّمين حسب قيمة النزاع، مع نطاقات نسبية تقديرية.
- توضيح النطاق الشائع 5%–10% وكيف يختلف بين القضايا البسيطة ومتوسطة التعقيد والقضايا الكبيرة.
- بيان كيفية توزيع أتعاب المحكّمين وتكاليف التحكيم بين الأطراف.
- مقارنة بين التحكيم المؤسسي والتحكيم الحر من زاوية الأتعاب والمرونة.
- عرض خدمتين يمكن أن تستفيد منهما الشركات: خدمة التحكيم المباشر، وخدمة الوساطة في اختيار المحكّم المناسب والتفاوض على أتعابه.
نبذة عن الكاتب
المحامي والمحكَّم محمد المزيّن، بخبرة تمتد لأكثر من خمسة عشر عامًا، متخصص في قضايا المقاولات والنزاعات الإنشائية والعقود الحكومية وعقود الامتياز التجاري. حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق من جامعة الملك سعود بالرياض عام 2009م، ويمتلك خبرة عملية واسعة من خلال عمله مع عدد من الشركات الوطنية الكبرى، منها مجموعة المجدوعي، وشركة بن زقر، وشركة الاستثمارات التعدينية المتحدة، وشركة الموارد المساهمة المدرجة، وشركة البترول الذهبي للاستثمار.
أولًا: ما المقصود بأتعاب المحكّمين؟
أتعاب المحكّمين هي المقابل المالي الذي يتقاضاه المحكّم الفرد أو هيئة التحكيم نظير إدارة النزاع منذ قيده وحتى إصدار حكم التحكيم، وتشمل دراسة المستندات، وعقد الجلسات، وسماع المرافعات، والمداولة، وصياغة الحكم. هذه الأتعاب تختلف عن باقي عناصر تكلفة التحكيم مثل الرسوم الإدارية ورسوم التسجيل وأتعاب الخبراء والمترجمين ونفقات السفر.
من واقع عملنا مع الشركات الصناعية وشركات المقاولات والشركات المساهمة، يتضح أن أتعاب المحكّمين لا تُعامل كتفصيل إجرائي، بل كعنصر يدخل في تقييم جدوى التحكيم مقارنة بالتقاضي، وفي اختيار توقيت التسوية من عدمه، وفي بناء سياسة داخلية واضحة لإدارة المنازعات.
ثانيًا: جدول شرائح أتعاب المحكّمين في السعودية
يساعد عرض أتعاب المحكّمين وفق شرائح مرتبطة بقيمة النزاع على تكوين صورة أوضح أمام متخذ القرار قبل الدخول في إجراءات التحكيم. ويمكن تلخيص النطاقات العملية الشائعة في السوق في الجدول الآتي، مع التركيز على أتعاب المحكّم دون الرسوم الإدارية أو المصروفات الأخرى:
| قيمة الدعوى (ريال) | النطاق التقريبي لأتعاب المحكّم | ملاحظات عملية مختصرة |
|---|---|---|
| حتى 200,000 | نحو 9% – 10% من قيمة النزاع | قضايا بسيطة، النسبة أعلى نسبيًا لأنها تغطي الحد الأدنى من الجهد |
| من 200,001 إلى 400,000 | حوالي 7% – 9% | مزيج من مبلغ ثابت ونسبة من الجزء الزائد عن 200,000 |
| من 400,001 إلى 800,000 | تقريبًا 6% – 8% | غالبًا منازعات متوسطة التعقيد من حيث القيمة |
| من 800,001 إلى 2,000,000 | تقريبًا 5% – 6% | تبدأ النسبة الفعلية في الانخفاض مع ارتفاع قيمة النزاع |
| من 2,000,001 إلى 8,000,000 | تقريبًا 3% – 4% | منازعات تجارية أو إنشائية أكبر حجمًا |
| من 8,000,001 إلى 20,000,000 | حوالي 2% – 3% | قضايا كبيرة ذات مشروعات أو عقود استراتيجية |
| أكثر من 20,000,000 | أقل من 2% غالبًا | مزيج بين مبلغ ثابت ونسبة صغيرة تتأثر بعدد المحكّمين وتعقيد الملف |
انطلاقًا من هذه الشرائح يمكن تبسيط الصورة أمام الإدارة التنفيذية على النحو الآتي:
- في القضايا البسيطة ومتوسطة التعقيد، تتحرك أتعاب المحكّمين في نطاق تقريبي بين 5% و10% من قيمة النزاع، مع اختلاف النسبة بحسب الجهد المتوقع وعدد الجلسات وطبيعة المطالبة.
- في القضايا الكبيرة، تنخفض النسبة الفعلية للأتعاب مقارنة بقيمة المطالبة، وإن ظل المبلغ الإجمالي كبيرًا بسبب ضخامة النزاع نفسه وتعقيده الفني.
هذا التصور يساعد على إدخال أتعاب التحكيم ضمن النماذج المالية لتقييم المنازعات، بدل التعامل معها كعنصر مفاجئ لا يمكن تقديره مسبقًا.
الاستشارة القانونية
عند دراسة خيار التحكيم في نزاع تجاري أو إنشائي، تحتاج الشركات إلى أرقام واضحة ونموذج أتعاب يمكن الدفاع عنه أمام لجان المراجعة ومجالس الإدارات. يمكن لمكتب المحامي محمد المزيّن أن يقدّم للشركة تصورًا أوليًا مبنيًا على معطيات النزاع وقيمته وتعقيده، مع اقتراح بدائل مناسبة لنماذج الأتعاب، سواء أكان التحكيم مؤسسيًا أم حرًّا، وبما ينسجم مع سياسة إدارة المخاطر والحوكمة في الشركة.
ثالثًا: القضايا البسيطة ومتوسطة التعقيد والقضايا الكبيرة
تختلف قراءة أتعاب المحكّمين باختلاف طبيعة القضايا، وليس فقط قيمتها المالية، ويمكن تقسيم الصورة إلى ثلاثة مستويات:
1. القضايا البسيطة
هي المنازعات ذات الملف المستندي المحدود نسبيًا، والعقود الواضحة، والمبالغ غير الكبيرة، سواء في العقود التجارية أو عقود التوريد أو بعض عقود المقاولات الفرعية. في هذا النطاق قد تقترب الأتعاب – قبل أي تفاوض – من الجزء الأعلى من النطاق المذكور في الجدول، ويمكن معالجة ذلك من خلال:
- الاتفاق على أتعاب مقطوعة وثابتة لا تتحرك مع قيمة المطالبة.
- تضييق نطاق عمل المحكّم من حيث عدد الجلسات والمذكرات.
2. القضايا متوسطة التعقيد
هي القضايا التي تتعدد فيها العقود أو الأطراف، أو تتداخل فيها عناصر فنية تحتاج إلى خبرة أو تقارير متخصصة، مع قيم مالية أعلى من القضايا البسيطة ولكن دون أن تصل إلى حجم المشروعات الكبرى. تشير الخبرة العملية إلى أن أتعاب المحكّمين في هذا المستوى تميل إلى الاستقرار داخل نطاق 5%–8% تقريبًا، مع قابلية لإعادة توزيع الأتعاب على مراحل زمنية أو إجرائية وفق ما يتفق عليه مع الأطراف.
3. القضايا الكبيرة
هي المنازعات المرتبطة بمشروعات بنية تحتية أو عقود صناعية استراتيجية أو تحالفات كبرى، وغالبًا ما تتجاوز قيمتها ملايين الريالات. في هذا المستوى لا يكفي الحديث عن نسبة واحدة؛ بل يُفضَّل تصميم نموذج هجين يجمع بين:
- مبلغ ثابت يغطي الحد الأدنى من الجهد المتوقع.
- ونسبة محددة من قيمة المطالبة أو من المبلغ المتنازع عليه بعد حصره.
في عدد من الملفات التي تعاملنا معها في هذا المستوى، انخفضت النسبة الفعلية للأتعاب إلى حدود 2%–4% من قيمة النزاع، مع بقاء المبلغ الإجمالي كبيرًا بحكم حجم المشروع وطبيعة العقود.
رابعًا: كيف تُدار أتعاب المحكّمين ماليًا بين الأطراف؟
إدارة الأتعاب ماليًا لا تقل أهمية عن الاتفاق على نسبتها؛ لأنها تؤثر في السيولة وتوزيع المخاطر بين الأطراف أثناء سير النزاع. ويمكن اختصار الصورة كما يلي:
- في بداية التحكيم، يُطلب عادةً إيداع سلفة على الحساب لتغطية أتعاب المحكّمين والمصاريف الأولية، وقد تُسدَّد هذه السلفة من المدعي منفردًا أو من الطرفين بحسب لائحة الجهة المنظمة أو اتفاق التحكيم.
- أثناء سير الدعوى، قد يُطلب استكمال السلفة إذا تبيّن أن المبلغ المودَع لا يغطي ما تبقّى من إجراءات.
- في حكم التحكيم النهائي، تقرر هيئة التحكيم كيفية توزيع أتعاب المحكّمين وتكاليف التحكيم بين الأطراف، وغالبًا يتحمّل الطرف الخاسر الجزء الأكبر، أو تُوزَّع التكاليف بحسب نسبة الكسب والخسارة في المطالبات.
تضمين هذه المسائل ضمن سياسة داخلية واضحة لإدارة المنازعات يساعد الإدارة القانونية والمالية على تفسير أثر التحكيم في النتائج المالية للشركة، وعلى تبرير قرار اختيار هذا المسار بدلاً من غيره.
خامسًا: أتعاب المحكّمين بين التحكيم المؤسسي والتحكيم الحر
1. التحكيم المؤسسي
في التحكيم المؤسسي تُدار القضية من خلال مركز تحكيم يتبنّى لوائح معلنة لرسوم التسجيل والرسوم الإدارية وأتعاب المحكّمين وفق شرائح محددة. هذا الإطار يمنح الشركات قدرًا من اليقين والهيكلة الإجرائية، ويميل إلى أن يكون أكثر ملاءمة في القضايا الكبيرة والمعقدة، لكنه يقيّد مساحة التفاوض على الأتعاب، خصوصًا في القضايا البسيطة ومتوسطة التعقيد التي قد لا تتحمل رسومًا إدارية مرتفعة.
2. التحكيم الحر
في التحكيم الحر لا ترتبط الشركة تلقائيًا بجداول أو لوائح أتعاب جاهزة؛ بل يمكن الاتفاق مباشرة مع المحكّم على نموذج أتعاب متوافق مع طبيعة النزاع وقيمته. هذا النموذج يسمح بمزيد من المرونة، مثل:
- الاعتماد على أتعاب مقطوعة في المنازعات البسيطة.
- توزيع الأتعاب على مراحل زمنية (مثلاً: قبل الخبير وبعده) في القضايا متوسطة التعقيد.
- اعتماد نموذج هجين في القضايا الكبيرة يراعي عدد المحكّمين وطبيعة الخبرة المطلوبة.
3. خدمة التحكيم المباشر
يمكن لمكتب المحامي محمد المزيّن أن يتولى دور المحكّم الفرد أو عضو هيئة التحكيم أو رئيسها في المنازعات التجارية والإنشائية والصناعية، وفق نماذج أتعاب متفق عليها سلفًا تراعي قيمة النزاع وتعقيده، وتنسجم مع متطلبات حوكمة الشركات واشتراطات المراجعة الداخلية.
4. خدمة الوساطة في اختيار المحكّم
في حالات أخرى تفضّل بعض الشركات أن يكون دور المكتب هو المساندة المهنية في اختيار المحكّم بدلاً من تولي مهمة التحكيم نفسها. في هذه الحالة يتولّى المكتب:
- دراسة طبيعة النزاع وقطاع النشاط.
- ترشيح عدد من المحكّمين المناسبين استنادًا إلى قاعدة بيانات محدثة وخبرة سابقة في ملفات مشابهة.
- مساعدة الإدارة القانونية في مناقشة نماذج الأتعاب المقترحة والتفاوض عليها للوصول إلى صيغة متوازنة.
بهذا الأسلوب تتعامل الشركة مع موضوع أتعاب المحكّمين في إطار مهني منضبط، بعيدًا عن البحث العشوائي عن أرقام محكّمين دون مرجعية واضحة.
الأسئلة الشائعة حول أتعاب المحكّمين
ما النطاق التقريبي الشائع لأتعاب المحكّمين؟
في كثير من القضايا البسيطة ومتوسطة التعقيد، تتحرك أتعاب المحكّمين في نطاق تقريبي بين 5% و10% من قيمة النزاع، مع اختلاف من ملف لآخر بحسب الجهد المتوقع وطبيعة القضية ونموذج الأتعاب المتفق عليه.
هل يمكن تخفيض أتعاب المحكّمين عن النسب المتداولة؟
يمكن التفاوض على أتعاب أقل، خاصة في إطار التحكيم الحر أو عند الاتفاق على محكّم منفرد، شريطة وضوح نطاق العمل وعدد الجلسات، وتوثيق نموذج الأتعاب في اتفاق مكتوب قبل بدء الإجراءات.
هل جداول أتعاب المحكّمين ملزمة في جميع أنواع التحكيم؟
الجداول التي تعتمدها مراكز التحكيم تسري على القضايا التي تُدار لديها، أما في التحكيم الحر فيمكن للأطراف الاتفاق على نماذج مغايرة للأتعاب ما دامت لا تخالف أحكام النظام والاتفاقات المبرمة بينهم.
من يتحمّل أتعاب المحكّمين في النهاية؟
تُسدَّد الأتعاب عادةً على شكل سلفة من أحد الأطراف أو كليهما، ثم تفصل هيئة التحكيم في حكمها النهائي بكيفية توزيع التكاليف بين الأطراف، وغالبًا يتحمّل الطرف الخاسر أو الطرف الذي خسر الجزء الأكبر من مطالباته النصيب الأكبر من الأتعاب.
كيف تحصل الشركات على محكّم مناسب دون مخاطر اختيار خاطئ؟
الاختيار الأمثل يكون عبر جهة قانونية متمرّسة في التحكيم، تمتلك قاعدة بيانات عن المحكّمين وخبرة عملية في تقييم مؤهلاتهم ونماذج أتعابهم، وتستطيع مساعدة الشركة في ترشيح الأسماء والتفاوض على الأتعاب بطريقة تحفظ مصالحها وتقلل من المخاطر.
الخاتمة
أتعاب المحكّمين عنصر أساسي في أي قرار تتخذه الشركات بشأن اللجوء إلى التحكيم، ولا يمكن التعامل معها باعتبارها تفصيلًا لاحقًا لإبرام الاتفاق. فهم الشرائح التقريبية للأتعاب، وطبيعة القضايا البسيطة ومتوسطة التعقيد والقضايا الكبيرة، والفروق بين التحكيم المؤسسي والتحكيم الحر من زاوية التكلفة، يمكّن الإدارات القانونية والمالية من إدخال التحكيم ضمن سياسة مدروسة لإدارة المنازعات. ومع الاستعانة بخبرة مهنية متخصصة، يمكن تحويل أتعاب التحكيم من عامل غموض ومخاطرة إلى بند يمكن التنبؤ به وإدارته والتفاوض حوله بما يحقق كفاءة التكلفة ويحافظ في الوقت نفسه على جودة العملية التحكيمية.
مقالات ذات صلة
ملخص تعريفي
يتناول هذا المقال مفهوم أتعاب المحكّمين في السعودية من زاوية عملية موجهة للشركات، ويعرض جدولًا مبسطًا لشرائح الأتعاب وفق قيمة النزاع، موضحًا أن النطاق الشائع في القضايا البسيطة ومتوسطة التعقيد يتراوح تقريبيًا بين 5% و10% من قيمة المطالبة مع انخفاض النسبة في القضايا الكبيرة. كما يبيّن كيفية توزيع أتعاب المحكّمين بين الأطراف، والفروق بين التحكيم المؤسسي والتحكيم الحر من حيث المرونة في نماذج الأتعاب، ويوضح دور مكتب المحامي محمد المزيّن في تقديم خدمة التحكيم المباشر وخدمة الوساطة في اختيار المحكّم والتفاوض على أتعابه بما ينسجم مع سياسة إدارة المخاطر وحوكمة الشركات.

