المقدمة التمهيدية
يأتي الفصل الثاني من كتاب التمارين في المستوى الثالث بالمجمع الملكي البريطاني للمحكّمين (CIArb)
ليركّز على موضوع محوري في أي دعوى تحكيمية، وهو الأدلة وكيفية تعامل المحكَّم معها من لحظة فتح ملف الدعوى حتى كتابة الحكم. الهدف من هذا الفصل ليس حفظ تعريفات نظرية بقدر ما هو تدريب المتدرّب على منهجية عملية في تقييم الوقائع والأدلة ووزنها ضمن بيئة التحكيم التجاري.
هذا المقال يقدّم شرحًا تعليميًا مبسّطًا لمحتوى الفصل، ليكون مرجعًا لطلاب التحكيم التجاري في المستوى الثالث CIArb ومذكّرة مراجعة قبل الاختبار أو قبل خوض أي ملف تحكيم حقيقي.
ماذا ستقرأ في هذا المقال؟
- ما الهدف من الفصل الثاني في كتاب التمارين بالمستوى الثالث CIArb.
- كيف تساعد الأدلة المحكم التجاري في تكوين قناعته وكتابة الحكم.
- الفرق بين منهج القانون العام والقانون المدني في التعامل مع الأدلة في قضايا التحكيم التجاري.
- معنى الوقائع المتنازع عليها (Facts in Issue) ودورها في توزيع عبء الإثبات.
- التمييز بين الصلة (Relevance) والمقبولية (Admissibility) في الأدلة.
- عرض لأهم أنواع الأدلة: الحقيقية، التوضيحية، المستندية، والشفهية.
- شرح مفهوم الوزن (Weight) وكيف يقدّر المحكم التجاري أهمية كل دليل.
- ضوابط التعامل مع شهادة السماع (Hearsay) بين القبول والاستبعاد.
ما هدف الفصل الثاني من كتاب التمارين في المستوى الثالث CIArb؟
سؤال: عن ماذا يدور الفصل الثاني، وماذا يريد من المتدرّب عمليًا؟
يدور الفصل الثاني حول الأدلة ودورها في بيئة التحكيم التجاري.
الغاية ليست أن يتقن المتدرّب المصطلحات فحسب، بل أن يتدرّب على طريقة تفكير المحكم التجاري عندما يتعامل مع ملف الدعوى:
- يحدّد الوقائع محل النزاع.
- يفرز الأدلة ذات الصلة بهذه الوقائع.
- يقدّر مدى مقبولية هذه الأدلة من الناحية القانونية والإجرائية.
- يزن قيمة كل دليل مقارنة ببقية الأدلة قبل اتخاذ القرار.
بهذا يصبح الفصل الثاني إطار عمل ذهني يحتاجه المتدرّب في كل تمرين، وفي كل ملف تحكيم تجاري بعد ذلك.
دور الأدلة في التحكيم التجاري من منظور المحكم التجاري
سؤال: ما وظيفة الأدلة في نظر المحكَّم؟
المحكم التجاري لا “يصنع” الوقائع، بل يبني قناعته من خلال الأدلة التي يقدّمها الأطراف.
وظيفة الأدلة الأساسية في التحكيم التجاري هي:
- رسم صورة للوقائع المتنازع عليها: ماذا حدث؟ متى؟ من قام بماذا؟
- ترجيح رواية على أخرى: عندما تتعارض أقوال الأطراف، يحتاج المحكم التجاري إلى دليل يرجّح إحدى الروايتين.
- تسبيب الحكم كتابةً: يجب أن يبيّن الحكم الوقائع التي استند إليها، والأدلة التي أقنعته بكل واقعة.
كلما كانت الأدلة منسّقة ومنظمة زمنياً وموضوعياً، سهل على المحكم التجاري تتبّع الملف والوصول إلى قرار مقنع للطرفين، ويصمد لاحقًا أمام محكمة التنفيذ أو محكمة البطلان.
المحكم التجاري بين القانون العام والقانون المدني في تقييم الأدلة
سؤال: كيف يختلف التعامل مع الأدلة بين أنظمة القانون العام وأنظمة القانون المدني؟
يوضّح الفصل أن كلا النظامين يستهدفان الوصول لحقيقة عادلة في نزاعات التحكيم التجاري، لكن بأسلوب مختلف:
1. في نظام القانون العام (Common Law)
- الإجراءات ذات طابع خصومي (Adversarial).
- المحامون هم من يقود ملف الإثبات: يقدمون الأدلة، يستجوبون الشهود، ويتولّون المناقشة.
- القاضي أو المحكم التجاري يلعب دور “الحكم” المنظم للإجراءات، ويركّز على ما يعرضه الأطراف في الجلسات.
2. في نظام القانون المدني (Civil Law)
- الطابع أقرب إلى النظام التحقيقي (Inquisitorial).
- القاضي أكثر إيجابية: يطلب مستندات، يعيّن خبراء، يطرح أسئلة مباشرة على الشهود.
- يقوم على مبدأ المحكمة تعرف القانون؛ فيركز أكثر على إثبات الوقائع ثم يطبّق القاعدة القانونية من تلقاء نفسه.
وفي التحكيم الدولي، يجتمع عادة محكَّمون تجاريون ومحامون من الخلفيتين معًا؛ لذلك يحتاج المحكم التجاري إلى مرونة في إدارة الأدلة، بحيث يحقق التوازن بين ثقافة القانون العام وثقافة القانون المدني، مع احترام ما اتفق عليه الأطراف وقواعد التحكيم المختارة.
كيف يحدّد المحكم التجاري الوقائع المتنازع عليها (Facts in Issue)؟
سؤال: هل كل ما يرد في ملف الدعوى يُعد محل نزاع؟
يفرّق الفصل بين نوعين من الوقائع:
- وقائع متفق عليها:
خلفية عامة، علاقة تعاقدية، تواريخ أساسية… هذه لا تحتاج إلى إثبات مطوّل. - وقائع متنازع عليها (Facts in Issue):
هي الوقائع التي يختلف عليها الأطراف بالفعل، ويترتب على إثباتها أو نفيها
أثر قانوني في النتيجة (المسؤولية، مقدار التعويض، الفسخ…).
مهمة المحكم التجاري في بداية أي ملف هي أن يحدّد الوقائع المتنازع عليها بدقة؛ لأنها التي تضبط:
- من يتحمّل عبء الإثبات في كل نقطة.
- ما الأدلة ذات الصلة بهذه الوقائع.
- أين يجب أن يتركّز الاستجواب والأسئلة خلال جلسات التحكيم التجاري.
شهادة السماع وكيف يتعامل معها المحكم التجاري
سؤال: ماذا يُقصد بشهادة السماع، ولماذا تثير حساسية خاصة؟
شهادة السماع هي إفادة شاهد يروي ما سمعه من غيره، لا ما شاهده أو أدركه بحواسه مباشرة. مثال:
«قال لي زميلي إن المقاول لم ينجز الأعمال في الموعد».
هنا الشاهد لا يخبر بما رأى، بل ينقل ما قاله شخص آخر. لذلك تعتبر شهادة السماع أضعف من الشهادة المباشرة؛ لأن المصدر الأصلي للمعلومة غير حاضر للاستجواب:
- في القانون العام كان الاتجاه التقليدي يستبعد شهادة السماع في القضايا المدنية،
ثم تطوّر الموقف فأصبحت مقبولة من حيث المبدأ مع ترك تقدير وزنها للمحكمة أو المحكم التجاري. - في القانون المدني المصطلح أقل حضورًا، لكن الفكرة موجودة: الأقوال المنقولة أقل قيمة من المستندات والشهادات المباشرة.
الصلة والمقبولية في أدلة التحكيم التجاري
سؤال: متى يكون الدليل ذا صلة، ومتى يكون مقبولًا أو مستبعدًا؟
يقدّم الفصل تمييزًا مهمًا بين مرحلتين في تقييم الأدلة أمام المحكم التجاري:
1. الصلة (Relevance)
- الدليل ذو صلة إذا كان من شأنه أن يجعل الواقعة المتنازع عليها أكثر أو أقل احتمالًا.
- أي علاقة منطقية بين الدليل والواقعة تكفي مبدئيًا ليُعتبر ذا صلة.
2. المقبولية (Admissibility)
- مرحلة لاحقة على الصلة.
- قد يكون الدليل ذا صلة، لكن يُستبعَد لأسباب قانونية أو إجرائية، مثل:
- مخالفته للسياسة العامة.
- تعارضه مع قواعد السرّية والامتياز.
- تقديمه متأخرًا بالمخالفة لأوامر هيئة التحكيم التجاري.
يمكن تلخيص ذلك في نقطتين:
- كل دليل مقبول يجب أن يكون ذا صلة.
- ليس كل دليل ذي صلة مقبولًا في النهاية.
أنواع الأدلة أمام المحكم التجاري في نزاعات التحكيم التجاري
سؤال: كيف يصنّف الفصل الثاني الأدلة في بيئة التحكيم التجاري؟
يصنّف الفصل الأدلة إلى أربعة أنواع رئيسية:
- أدلة حقيقية (Real Evidence)
شيء مادي يُعرض على المحكم التجاري للفحص: بضاعة، عيّنة خرسانة، جزء من جهاز… وترتبط مباشرة بالمسألة محل النزاع، مثل جودة التنفيذ أو وجود العيب. - أدلة توضيحية (Demonstrative Evidence)
خرائط، مخططات هندسية، صور، عروض إلكترونية… لا تُثبت الواقعة بذاتها، لكنها تشرح ما يقوله الشاهد أو الخبير وتساعد هيئة التحكيم التجاري على فهم الصورة الكاملة. - أدلة مستندية (Documentary Evidence)
العقود، الملاحق، المراسلات، الفواتير، رسائل البريد الإلكتروني، محاضر الاجتماعات. وتدور الإشكالات حول صحة المستند، وتفسير عباراته، وظروف إعداده. - الأدلة الشفهية (Testimonial Evidence)
أقوال الشهود والخبراء في الجلسة أو في إفادات مكتوبة، وتشمل شهادة السماع. وقوتها مرتبطة بصدق الشاهد وثبات روايته وتوافقها مع القرائن والمستندات الأخرى.
معايير تقدير وزن الأدلة لدى المحكم التجاري
سؤال: بعد قبول الدليل، كيف يقرّر المحكَّم مدى الاعتماد عليه؟
بعد أن يتجاوز الدليل مرحلتي الصلة والمقبولية، يأتي دور سؤال:
إلى أي مدى يقتنع المحكم التجاري بهذا الدليل مقارنة ببقية الأدلة؟
هذا ما يعبّر عنه الفصل بمفهوم الأهمية أو الوزن (Weight)، ومن عوامله:
- هل تؤيّد الأدلة الأخرى نفس النتيجة أم تعارضها؟
- في الشهادة: هل سلوك الشاهد وروايته متسقان مع الظروف والقرائن الأخرى؟
- في شهادة السماع: هل كان بالإمكان إحضار المصدر الأصلي؟ وهل لهذا الشخص مصلحة في تحريف الحقيقة؟
- في المستندات: هل أُعدّت في سياق عمل عادي (مثل سجلات الشركة) أم صيغت خصيصًا للنزاع؟
قد يكون الدليل مقبولًا، لكن وزنه ضعيف، فلا يعتمد عليه المحكم التجاري بمفرده في تقرير النتيجة.
متى يستبعد المحكم التجاري الأدلة رغم صلتها؟
سؤال: متى يقرّر المحكَّم أن شهادة السماع أو غيرها من الأدلة غير مقبولة أصلًا؟
رغم أن الاتجاه الحديث يميل إلى قبول شهادة السماع من حيث المبدأ، إلا أن الفصل يشير إلى حالات تؤدي إلى استبعادها، منها:
- إذا نص القانون الوطني أو قواعد التحكيم التجاري المطبَّقة على استبعاد نوع معين من شهادة السماع.
- إذا تعارضت شهادة السماع مع قواعد جوهرية كحظر التعذيب أو حماية السرّية.
- إذا كانت شهادة السماع هي الدليل الوحيد على واقعة خطيرة، مع إمكانية استدعاء الشاهد الأصلي ولم يُستدعَ.
- إذا تبيّن لـلمحكم التجاري أن شهادة السماع صيغت خصيصًا لأغراض النزاع بشكل يثير الشك في نزاهتها.
في مثل هذه الحالات يملك المحكم التجاري سلطة اعتبار الدليل غير مقبول، لا مجرد ضعيف الوزن.
الأسئلة الشائعة حول الفصل الثاني وموضوع الأدلة في المستوى الثالث CIArb
التركيز الأكبر في هذا الفصل على منهجية التفكير: تحديد الوقائع المتنازع عليها، فرز الأدلة ذات الصلة، ثم تقدير المقبولية والوزن. التعريفات مهمة، لكنها ليست الهدف النهائي في إعداد المحكم التجاري.
عند قراءة أي تمرين، اسأل نفسك: أي الوقائع لو ثبتت أو نُفيت ستؤثر في النتيجة؟ هذه هي Facts in Issue، وهي التي يجب أن تركّز عليها في تحليل الأدلة وعبء الإثبات في قضايا التحكيم التجاري.
ليست دائمًا ضعيفة، لكنها تحتاج إلى حذر إضافي؛ فغياب المصدر الأصلي يجعل المحكم التجاري يبحث عن مؤيّدات أخرى قبل الاعتماد عليها في النتيجة.
في الصلة تشرح لماذا يرتبط هذا الدليل بالواقعة محل النزاع، أما في المقبولية فتبحث إن كان هناك سبب قانوني أو إجرائي لاستبعاد هذا الدليل رغم صلته، مثل السرّية أو التقديم المتأخر أو مخالفة أوامر هيئة التحكيم التجاري.
لا تكتفي بقول “الدليل مقبول”، بل بيّن ما الذي يجعله قويًا أو ضعيفًا، وما إذا كانت هناك أدلة أخرى تؤيّده أو تعارضه، وما الأثر العملي لذلك على النتيجة النهائية في حكم التحكيم التجاري.
خاتمة: خريطة التفكير في الأدلة للمستوى الثالث CIArb
يرسم الفصل الثاني من كتاب التمارين في المستوى الثالث بالمجمع الملكي البريطاني للمحكّمين (CIArb) خريطة واضحة للتعامل مع الأدلة في أي ملف تحكيم تجاري:
- تحديد الوقائع المتنازع عليها أولًا.
- فحص صلة الأدلة بهذه الوقائع.
- تقييم مدى مقبولية الأدلة في ضوء القانون وقواعد التحكيم التجاري.
- تقدير وزن كل دليل عند موازنته مع الأدلة الأخرى.
هذه المنهجية هي ما يتوقّعه امتحان المستوى الثالث، وهي أيضًا ما يحتاجه المحكم التجاري في الممارسة العملية لكتابة أحكام تحكيمية مسببّة وقابلة للتنفيذ.
نبذة عن البرنامج التأهيلي في التحكيم التجاري بالمركز السعودي للتحكيم التجاري
يقدّم المركز السعودي للتحكيم التجاري عبر أكاديميته برنامجًا تأهيليًا متخصّصًا في التحكيم التجاري يُعَد الأول من نوعه في المنطقة، بالشراكة مع المجمع الملكي البريطاني للمحكّمين (CIArb). يهدف هذا البرنامج إلى إعداد المحكم التجاري المحترف، من خلال تزويده بالمعارف والمهارات اللازمة لإدارة قضايا التحكيم التجاري الدولي وكتابة أحكام التحكيم وفق أفضل الممارسات الدولية.
يتكوّن البرنامج من ثلاثة مستويات متكاملة، تصنع مسارًا تدريجيًا لتأهيل
المحكم التجاري:
- المستوى الأول:
قانون التحكيم الدولي، وممارساته، وإجراءاته (ثلاثة أشهر)، يؤسس لفهم إطار التحكيم التجاري وقواعده الدولية. - المستوى الثاني:
قانون الالتزامات (خمسة أشهر)، يركّز على القواعد الموضوعية التي يستند إليها المحكم التجاري عند الفصل في المنازعات. - المستوى الثالث:
الأدلة، واتخاذ القرار، وكتابة حكم التحكيم (ثلاثة أشهر)، وهو محور هذا الشرح، ويُعِد المتدرّب لدور عملي متقدّم في تقييم أدلة التحكيم التجاري وكتابة أحكام تحكيمية مسببّة وقابلة للتنفيذ.
يؤهِّل البرنامج مجتازيه للحصول على عضويتين مهنيتين من
المجمع الملكي البريطاني للمحكّمين (CIArb):
- درجة عضو (MCIArb):
يحصل عليها من يجتاز المستوى الأول، كبداية لمسار
المحكم التجاري المعتمد. - درجة زميل (FCIArb):
يحصل عليها من يجتاز المستوى الثالث، ليصبح في مصاف خبراء التحكيم التجاري على المستوى الدولي.
الانتساب لعضوية المجمع يفتح أمام المحكم التجاري باب الانضمام إلى شبكة مهنية تضم أكثر من 17 ألف عضو في 139 دولة، فيما يُقدَّم هذا البرنامج عبر فروع المجمع المنتشرة في 42 دولة. وتُعد أكاديمية المركز السعودي للتحكيم التجاري شريكًا للمجمع في تقديم هذا البرنامج للمرة الأولى في المملكة، وباللغتين العربية والإنجليزية، بما يعزّز موقع الرياض كمركز إقليمي في مجال التحكيم التجاري.
ملخص تعريفي قصير
يشرح هذا المقال الفصل الثاني من كتاب التمارين في المستوى الثالث بالمجمع الملكي البريطاني للمحكّمين (CIArb)، مع تركيز خاص على منهجية التعامل مع الأدلة في التحكيم التجاري.
يوضّح الفرق بين الصلة والمقبولية والوزن، وأنواع الأدلة الأساسية، وكيفية تقييم شهادة السماع في ضوء أنظمة القانون العام والقانون المدني، ويقدّم إطارًا عمليًا يمكن للمتدرّب استخدامه في حل التمارين وكتابة أحكام تحكيمية قابلة للتنفيذ، مع الإشارة إلى البرنامج التأهيلي الذي يقدّمه المركز السعودي للتحكيم التجاري لإعداد المحكم التجاري.

