دور رئيس هيئة التحكيم في ضبط الخصومة

في التحكيم الثلاثي، قد تتقارب الكفاءات القانونية للأعضاء، لكن الذي يحدد فعليًا جودة المسار وسرعته وانضباطه هو رئيس هيئة التحكيم. لا يُقاس دور الرئيس بعدد الجلسات التي يُديرها، بل بقدرته على ضبط الخصومة منذ لحظتها الأولى: تحديد ما يُناقَش وما يُستبعَد، متى تُقفل المرافعة، وكيف تُدار الطلبات الإجرائية دون أن تتحول إلى وسيلة تعطيل.
هذا المقال يقدّم قراءة عملية لدور رئيس الهيئة في ضبط الخصومة التحكيمية بوصفه “قائدًا إجرائيًا” يوازن بين حقوق الدفاع وبين الحزم الذي يمنع الانفلات ويُقرب الهيئة من حكم قابل للاعتماد والتنفيذ.


ماذا ستقرأ في هذا المقال؟

  • ما الذي يجعل رئيس الهيئة عنصر الحسم في التحكيم الثلاثي

  • كيف يضبط الرئيس الخصومة دون المساس بحقوق الدفاع

  • إدارة الجداول الزمنية ومنع المماطلة الإجرائية

  • التعامل مع الطلبات الطارئة والإثبات والخبرة بكفاءة

  • أثر دور الرئيس على سلامة الحكم وقابليته للتنفيذ


نبذة عن الكاتب

المحامي والمحكَّم محمد المزيّن العضو الاساسي في الهيئة السعودية للمحامين وعضو المجمع الملكي البريطاني للمحكمين بخبرة مهنية تمتد لأكثر من خمسة عشر عامًا في المجال القانوني. ويختص المكتب بقضايا المقاولات، والنزاعات الإنشائية، والعقود الحكومية، وعقود الامتياز التجاري، إضافة إلى تقديم الاستشارات القانونية للشركات بمختلف قطاعاتها. كما يحمل الأستاذ محمد المزيّن درجة البكالوريوس في الحقوق من جامعة الملك سعود بالرياض عام 2009م.


لماذا يُعد رئيس هيئة التحكيم “قائد الخصومة”؟

التحكيم الثلاثي بطبيعته قابل للتشظّي: ثلاثة عقول، ثلاثة أساليب، وتوقعات متباينة من الأطراف. وجود رئيس هيئة فعّال يحوّل هذا التعدد إلى قيمة مضافة، بينما غيابه يحوّل التعدد إلى بطء وتضارب.
الرئيس لا يتفوّق على الأعضاء علميًا بالضرورة، لكنه يتفوّق وظيفيًا في توحيد الاتجاه، وضبط الإيقاع، ومنع الانزلاق إلى مسارات إجرائية غير منتجة.


كيف يضبط الرئيس الخصومة منذ اليوم الأول؟

ضبط الخصومة يبدأ بقرارين تأسيسيين لا يحتملان التراخي:

1) تحديد نطاق النزاع بدقة

الرئيس الفعّال يفرض سؤالًا بسيطًا منذ البداية: ما الذي يجب على الهيئة أن تفصل فيه تحديدًا؟
هذا لا يعني مصادرة حق الأطراف، بل يعني منع تمدد النزاع إلى:

  • مطالبات هامشية لا تؤثر في أصل الخصومة

  • وقائع جانبية تستنزف الزمن

  • دفوع شكلية تُستخدم كوسيلة تعطيل

2) اعتماد جدول إجرائي واقعي وحازم

الجدول الإجرائي ليس وثيقة تنظيمية فقط، بل “عقد عمل” يحكم كل ما بعدها.
الرئيس الناجح:

  • يحدد آجالًا معقولة وقابلة للتطبيق

  • يضع قواعد واضحة للتمديدات

  • يربط أي مرونة بسبب موضوعي لا بسبب رغبة طرف في كسب الوقت


إدارة الطلبات الإجرائية: الفارق بين المرونة والفوضى

الطلبات الإجرائية هي أكثر بوابات التعطيل شيوعًا: طلبات تأجيل، طلبات مستندات متأخرة، طلبات إعادة فتح باب المرافعة، طلبات خبرة واسعة النطاق.
رئيس الهيئة الذي يضبط الخصومة يتعامل معها بمنهج محدد:

  • يميّز بين الطلب المنتج والطلب التعطيلي

  • يحدد أثر الطلب على الجدول الإجرائي قبل قبوله

  • يضع حدودًا زمنية وإجرائية لتنفيذ ما يُقبل من الطلبات

النتيجة: الأطراف تُدرك مبكرًا أن الإجراءات ليست ساحة مفتوحة للمناورة.


ضبط الجلسات والمرافعة: متى يتدخل الرئيس؟

الرئيس لا يترك الجلسة تتحول إلى مرافعة بلا نهاية. تدخله يكون عبر:

  • تحديد موضوع كل جلسة سلفًا

  • إدارة وقت كل طرف بصورة متوازنة

  • منع تكرار النقاط التي استُنفدت

  • حسم الخلافات الإجرائية داخل الجلسة بدل ترحيلها

ضبط الجلسة يختصر زمن التحكيم أكثر من أي عامل آخر، لأنه يمنع تراكم “قرارات مؤجلة” تتحول لاحقًا إلى عقدة.


إدارة الإثبات والخبرة: حيث تتضاعف المخاطر

الإثبات في التحكيم هو المنطقة التي يمكن أن تلتهم الملف بالكامل إذا لم تُدار بحزم.
رئيس الهيئة يضبط هذه المرحلة عبر:

  • تحديد الوقائع المنتجة التي تحتاج إثباتًا

  • تنظيم تبادل المستندات بآجال ثابتة

  • منع الإغراق بالمستندات المتأخرة

  • حصر الخبرة في نطاق محدد مرتبط بمسائل النزاع

الرئيس الذي يسمح بخبرة واسعة غير منضبطة قد يطيل النزاع أشهرًا دون أن يقترب من الفصل.


إدارة العلاقة بين أعضاء الهيئة: الحوكمة الداخلية للقرار

واحدة من أهم وظائف رئيس الهيئة هي “حماية الهيئة من داخلها”.
ويظهر ذلك في:

  • تنظيم المداولات وتحديد آليتها

  • تقليل فرص التضارب في القرارات الإجرائية

  • ضمان وحدة المعايير في تقدير الطلبات

  • منع انتقال الخلافات الداخلية إلى الأطراف

الهيئة التي تُدار بلا حوكمة داخلية تُنتج قرارات متناقضة، وهذا ينعكس لاحقًا على الحكم في صورته النهائية.


أثر رئيس الهيئة على سلامة الحكم وقابليته للتنفيذ

الحكم التحكيمي لا يتأثر فقط بالنتيجة، بل بسجل الإجراءات الذي سبق صدوره.
الرئيس الذي يضبط الخصومة يحقق عمليًا:

  • تقليل ادعاءات الإخلال بحق الدفاع

  • تقليل فرص الطعن لأسباب إجرائية

  • إنتاج تسبيب متماسك لأن المسار كان منضبطًا

  • حماية الحكم من الجدل حول “مفاجآت إجرائية”

وبذلك، يتحول دور الرئيس من إدارة زمنية إلى حماية قانونية للحكم.


فقرة الاستشارة القانونية

للحصول على استشارة قانونية متخصصة في نزاعات التحكيم، أو لتقييم مدى الحاجة إلى رئيس هيئة تحكيم يتمتع بقدرة عالية على ضبط الخصومة وإدارة الإجراءات، يمكنكم التواصل مع مكتب المحامي محمد المزيّن للمحاماة والتحكيم لعرض معطيات النزاع وتحديد الخيار الإجرائي الأنسب منذ البداية.


الأسئلة الشائعة (FAQ)

هل رئيس هيئة التحكيم يملك صلاحيات أكبر من الأعضاء؟
وظيفيًا نعم من حيث إدارة الإجراءات وتوحيد المسار، مع بقاء الحكم نتيجة مداولات الهيئة.

هل الحزم الإجرائي قد يُفهم على أنه تضييق على الأطراف؟
الحزم لا يعني التضييق، بل يعني تنظيم حق الدفاع ومنع استغلاله للتعطيل.

متى يظهر أثر رئيس الهيئة بشكل واضح؟
في النزاعات المعقّدة أو متعددة الأطراف، وعند مرحلة الإثبات والطلبات الإجرائية.

هل اختيار رئيس هيئة قوي يختصر مدة التحكيم؟
في الغالب نعم، لأنه يمنع الفوضى الإجرائية ويحافظ على جدول زمني ثابت.


الخاتمة

رئيس هيئة التحكيم هو نقطة الاتزان في التحكيم الثلاثي. ضبط الخصومة لا يتحقق بالنوايا الطيبة، بل بإدارة إجرائية واعية تحدد نطاق النزاع، وتضبط المدد، وتمنع المماطلة، وتدير الإثبات والخبرة بكفاءة. كلما كان رئيس الهيئة أقوى في إدارة الخصومة، كانت مخرجات التحكيم أقرب إلى حكم قابل للاعتماد والتنفيذ دون جدل إجرائي.


مقالات ذات صلة

مقال بعنوان: ترشيح محكّم تجاري
مقال بعنوان: إدارة النزاع التحكيمي من منظور إجرائي


فقرة تعريفية مختصرة

يوضح هذا المقال دور رئيس هيئة التحكيم في ضبط الخصومة التحكيمية بوصفه “القائد الإجرائي” الذي يحوّل التحكيم من مسار قابل للتشظّي إلى عملية منضبطة قابلة للإنجاز. ويركّز على أدوات الرئيس العملية في إدارة نطاق النزاع، واعتماد جدول إجرائي واقعي، وحسم الطلبات الإجرائية دون تردد، وتنظيم الإثبات والخبرة بما يمنع الإغراق بالمستندات أو توسيع النزاع خارج حدوده المنتجة. كما يبيّن المقال كيف تنعكس القرارات الإجرائية المبكرة على سلامة الحكم التحكيمي وقابليته للتنفيذ، عبر تقليل ادعاءات الإخلال بحق الدفاع وتخفيف مخاطر الطعن لأسباب شكلية. ويقدّم مكتب محمد المزيّن للمحاماة والتحكيم هذا المنظور انطلاقًا من خبرة عملية تمتد لأكثر من خمسة عشر عامًا، مع جاهزية تنظيمية تشمل قاعة تحكيم مجهزة بكل التفاصيل لاستضافة جلسات التحكيم الحر بكفاءة وخصوصية وانضباط.