المقدمة التمهيدية
يُعدّ المستوى الثالث – التحكيم: الأدلة، اتخاذ القرار، وكتابة الحكم في المجمع الملكي البريطاني للمحكّمين (CIArb) محطة أساسية لكل من يطمح للوصول إلى الزمالة، خصوصًا لمن يعمل في مجال التحكيم التجاري الدولي. وفي قلب هذا المستوى يأتي كتاب التمارين في المستوى الثالث CIArb، الذي لا يهدف إلى زيادة المعلومات فحسب، بل إلى تدريب المتدرّب على التفكير كـ محكَّم يصدر حكمًا مسببًا وقابلاً للتنفيذ.
هذا المقال يقدّم
ملخصًا منظمًا للفصل الأول (المقدمة والسياق) ليكون مرجعًا دائمًا للزملاء في الدورات الحالية والقادمة، ويمكن اعتباره مدخلًا مختصرًا لكتاب التمارين في المستوى الثالث CIArb
ماذا ستقرأ في هذا المقال؟
- تعريف بدور المستوى الثالث في CIArb وموضع كتاب التمارين في مسار الزمالة.
- توضيح أهداف كتاب التمارين في المستوى الثالث CIArb في التحكيم: الأدلة، اتخاذ القرار، وكتابة الحكم.
- بيان لماذا لا يوجد نموذج واحد مقدس لحكم التحكيم، وما الذي يهم فعلاً في الصياغة.
- شرح العلاقة بين قابلية الحكم للتنفيذ واتفاقية نيويورك وأسباب رفض التنفيذ.
- عرض دور قانون الأونسيترال النموذجي كإطار مرجعي مشترك بين المتدرّبين.
- نصائح عملية للزملاء الدارسين لكيفية التعامل مع التمارين كتمهيد لأحكام قابلة للتنفيذ.
ما هو المستوى الثالث في CIArb، وما موقع كتاب التمارين فيه؟
سؤال: ماذا يميّز المستوى الثالث في CIArb عن المستويات السابقة؟
المستوى الثالث في CIArb تحت عنوان:
Arbitration: Evidence, Decision Making and Award Writing
ليس مجرد دورة نظرية عن مبادئ التحكيم، بل هو مستوى تطبيقي هدفه الانتقال بالمتدرّب من دور المحامي الذي يجادل إلى دور المحكَّم الذي يزن الأدلة، ويتخذ القرار، ويكتب حكمًا مسببًا.
في هذا السياق يأتي
كتاب التمارين في المستوى الثالث CIArb ليكون أداة تدريب عملية، يُطلَب من المتدرّب أن يتعامل معها كبيئة محاكاة لحالات تحكيم واقعية، وليس ككتاب أسئلة وأجوبة نموذجية.
ما الهدف من كتاب التمارين في المستوى الثالث CIArb؟
سؤال: ما الرسالة الأساسية التي يريد كتاب التمارين إيصالها للمتدرّب؟
يمكن تلخيص أهداف كتاب التمارين في المستوى الثالث في ثلاث نقاط رئيسية:
- شرح دور الأدلة في عملية اتخاذ القرار التحكيمي
الكتاب لا يدرّس “قواعد الإثبات” في حد ذاتها، بقدر ما يركّز على كيف يتعامل المحكّم مع الأدلة المعروضة أمامه، وكيف يكوّن قناعته، ثم يترجم هذه القناعة إلى تسبيب واضح في الحكم. - بيان المتطلبات الرسمية والموضوعية لحكم تحكيم قابل للتنفيذ
الهدف أن يتعرّف المتدرّب على مكوّنات الحكم الذي يمكن تقديمه أمام جهة التنفيذ في دولة عضو في
اتفاقية نيويورك
دون أن يواجه عقبات إجرائية أو شكلية أو جوهرية. - اقتراح هيكل عملي لحكم التحكيم
لا يفرض الكتاب نموذجًا إلزاميًا، لكنه يقترح
هيكلًا تدريبيًا
يساعد المتدرّب على تنظيم أفكاره:- عرض الوقائع
- تحديد المسائل محل النزاع
- مناقشة الأدلة
- تطبيق القواعد النظامية أو العقدية
- الوصول إلى النتيجة والتسبيب
النتيجة المتوقعة ليست “حكمًا إنشائيًا جميلًا”، بل حكم مسبب، منضبط، وقابل للتنفيذ.
هل يوجد قالب واحد ملزم لحكم التحكيم في CIArb؟
سؤال: هل يفرض كتاب التمارين في المستوى الثالث CIArb نموذجًا موحدًا للحكم؟
الفصل الأول يؤكد بوضوح أنه
لا يوجد قالب واحد مقدس لحكم التحكيم.
للمحكّم حرية اختيار:
- أسلوب الكتابة،
- ترتيب الفقرات،
- صياغة التسبيب،
شريطة أن يلتزم الحكم بعدة معايير أساسية:
- أن يكون واضحًا في سرد الوقائع والمسائل محل النزاع.
- أن يكون مسببًا، بحيث يمكن تتبع المنطق الذي قاد الهيئة إلى النتيجة.
- أن يكون منصفًا ومتوازنًا بين الطرفين في عرض مواقفهما.
- ألا يتضمن ما يثير شبهة التحيز أو الإضرار بحقوق الدفاع لأي طرف.
أي خلل جوهري في الإجراءات، أو في التعامل مع الأطراف، قد يفتح الباب أمام طلب إلغاء الحكم أو رفض تنفيذه، مهما كانت الصياغة الأدبية قوية أو جميلة.
لماذا تعد قابلية الحكم للتنفيذ هي المعيار الحقيقي لنجاح المحكّم؟
سؤال: ما علاقة الفصل الأول باتفاقية نيويورك وقابلية الحكم التحكيمي للتنفيذ؟
الفصل الأول يذكّر المتدرّب طوال الوقت بأن المعيار الحقيقي لعمله ليس فقط في قاعة المداولة، بل عند
محكمة التنفيذ
في دولة عضو في اتفاقية نيويورك للاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها.
ويعرض الفصل – بصورة غير مباشرة – أخطر أسباب رفض الاعتراف بالحكم أو تنفيذه، مثل:
- بطلان أو عدم صحة اتفاق التحكيم.
- عدم تبليغ أحد الأطراف تبليغًا صحيحًا يمكّنه من عرض دفاعه.
- تجاوز الهيئة لاختصاصها المحدد في شرط التحكيم أو مشارطة التحكيم.
- وجود عيب جوهري في تشكيل الهيئة أو في الإجراءات المتبعة، يخالف ما اتفق عليه الأطراف أو ما يقرره القانون.
- إلغاء الحكم أو وقف نفاذه في بلد مقر التحكيم.
- تعارض الحكم مع النظام العام في دولة التنفيذ، أو كون النزاع غير قابل للتحكيم فيها.
الرسالة العملية للمتدرّب: كل قرار إجرائي تتخذه، وكل فقرة تُدرجها في الحكم، إمّا أن تقوّي الحكم في مرحلة التنفيذ أو تمنح الطرف الخاسر سلاحًا لمهاجمته.
ما هو الإطار المرجعي النظامي لكتاب التمارين؟ (قانون الأونسيترال النموذجي)
سؤال: لماذا يعتمد الكتاب على قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي؟
الفصل الأول يوضح أن كتاب التمارين في المستوى الثالث CIArb حُدِّث ليتماشى مع قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي.
الفكرة ليست أن هذا القانون يطبّق حتمًا في كل قضية، وإنما أنه:
- يشكّل لغة مشتركة وأساسًا مرجعيًا بين متدرّبين ينتمون إلى دول وأنظمة قانونية مختلفة.
- يقدّم نموذجًا متماسكًا لمسائل جوهرية، مثل:
- تشكيل هيئة التحكيم،
- اختصاص الهيئة،
- سير الإجراءات،
- أسباب بطلان الحكم.
في التطبيق العملي، يظل المحكّم ملتزمًا بـ القانون الواجب التطبيق فعليًا على النزاع (سواء كان نظامًا وطنيًا أو قانونًا مختارًا من الأطراف)، لكن الاستفادة من منهجية الأونسيترال تساعده على تنظيم تفكيره وتسبيب قراراته.
كيف يستفيد المتدرّب عمليًا من الفصل الأول في كتاب التمارين؟
سؤال: ما القيمة العملية للفصل الأول بالنسبة للمتدرّبين في المستوى الثالث CIArb؟
يمكن تلخيص الفائدة العملية للفصل الأول في ثلاث رسائل أساسية:
- نحن هنا لنتعلم طريقة تفكير وتسبيب
الهدف ليس حفظ نموذج حكم جاهز، بل بناء عقلية محكّم:- يحدد المسائل محل النزاع بدقة،
- يقيم الأدلة بعناية،
- يربط بين الوقائع والقواعد النظامية،
- ثم يصل إلى نتيجة مبررة.
- الحكم التحكيمي هو نتيجة مسار إجرائي كامل
أي خلل خطير في الإجراءات (التبليغ، سماع الأطراف، تشكيل الهيئة، مراعاة الدفاع) يمكن أن ينسف الحكم في مرحلة التنفيذ، حتى لو كان التسبيب العقدي أو النظامي جيدًا. - معيار النجاح: حكم مسبب يصمد أمام محكمة التنفيذ
الغاية ليست فقط إرضاء الأطراف بصياغة جيدة، بل إصدار حكم:- مسبب،
- منضبط إجرائيًا،
- قابل للتنفيذ في ظل اتفاقية نيويورك وفي مواجهة دفوع البطلان.
نصائح عملية للزملاء الدارسين لكتاب التمارين في المستوى الثالث CIArb
يمكن تلخيص “رسالة الفصل الأول” في ثلاث نصائح عملية للمتدرّبين:
- اقرأوا أي تمرين بعين محكمة التنفيذ
اسأل نفسك قبل الإجابة: لو كنت قاضي تنفيذ واطلعت على هذا الإجراء أو هذا التسبيب،– هل سأطمئن للحكم؟ – أم سأرى فيه سببًا وجيهًا لرفض التنفيذ؟ - افصلوا بين لغة المحامي ولغة المحكّم
– المحامي يدافع عن موكله، وقد يميل للانفعال والتأكيد.
– المحكّم يقدّم قرارًا مسببًا أمام القانون والتاريخ، فيحتاج إلى هدوء ومنطق وخطوات واضحة في التسبيب. - تعاملوا مع الهيكل المقترح في الكتاب كأداة تدريب لا قالب إلزامي
اكتب بأسلوبك، ثم راجع:- هل تناولت جميع المسائل محل النزاع؟
- هل قيّمت الأدلة وبيّنت سبب ترجيحك؟
- هل ربطت بين الوقائع والقواعد النظامية أو العقدية بصورة مفهومة؟
بهذه الطريقة يصبح كل تمرين خطوة حقيقية باتجاه كتابة حكم تحكيم مسبب وقابل للتنفيذ، لا مجرد إجابة نموذجية على سؤال دراسي.
الأسئلة الشائعة حول المستوى الثالث وكتاب التمارين في CIArb
لا يشترط أن تكون خبيرًا، لكن من المفيد قراءة نظرة عامة على القانون، وفهم مفاهيمه الأساسية مثل: الاختصاص، الإجراءات، وسبب البطلان، لأن الكتاب يستخدمه كمرجع منهجي مشترك.
يمكن استخدام هيكل عام متكرر (وقائع – مسائل – أدلة – تطبيق القانون – النتيجة)، لكن الاعتماد على “نموذج جامد” دون تكييفه مع وقائع كل تمرين قد يؤدي إلى إغفال مسائل جوهرية أو تسبيب ناقص.
المحامي يركّز على تعظيم مكاسب موكله وإبراز أدلته. المحكّم يركّز على تحقيق العدالة بين الطرفين، وإصدار قرار مسبب يمكن الدفاع عنه أمام محاكم البطلان والتنفيذ.
– اقرأ الفصل الأول بعناية لتفهم طريقة التفكير المطلوبة.
– راجع أسباب بطلان الحكم ورفض التنفيذ في اتفاقية نيويورك.
– طبّق الهيكل المقترح في الكتاب على تمارين سابقة أو حالات افتراضية.
كلاهما مهم، لكن المحتوى القانوني والتسبيب المنطقي لهما الأولوية، بشرط أن تكون اللغة واضحة ومنظمة وتسمح بفهم تسلسل فكرك دون غموض.
خاتمة: نحو حكم تحكيمي مسبب وقابل للتنفيذ
الفصل الأول من كتاب التمارين في المستوى الثالث CIArb ليس مجرد مقدمة تعريفية، بل هو “نظارة” نرى من خلالها بقية الفصول والتمارين.
يرسم لنا هذا الفصل إطارًا ذهنيًا يقوم على ثلاث ركائز:
- التفكير كـ محكّم لا كمحامٍ.
- إدراك أن الحكم هو نتيجة لمسار إجرائي سليم، لا مجرد اجتهاد قانوني في التسبيب.
- استحضار معيار قابلية الحكم للتنفيذ في كل قرار إجرائي أو فقرة تسبيب.
من يتعامل مع التمارين بهذا المنظور يقترب خطوة حقيقية من واقع عمل المحكّم، ويحوّل دراسة المستوى الثالث من مجرد متطلب للحصول على شهادة، إلى تدريب عملي على كتابة حكم تحكيم مسبب وقابل للتنفيذ في القضايا الحقيقية.
ملخص تعريفي قصير
هذا المقال يقدّم شرحًا منظمًا للفصل الأول من كتاب التمارين في المستوى الثالث CIArb – التحكيم: الأدلة، اتخاذ القرار، وكتابة الحكم، مع التركيز على أهداف الكتاب ومنهجيته في تدريب المتدرّب على التفكير كمحكّم لا كمحامٍ. يوضح المقال أهمية قابلية الحكم للتنفيذ في ضوء اتفاقية نيويورك واعتماد قانون الأونسيترال النموذجي كإطار مرجعي، ويعرض نصائح عملية للزملاء الدارسين لكيفية التعامل مع التمارين كخطوة نحو كتابة حكم تحكيمي مسبب وقابل للتنفيذ.

