تأسيس شركة في السعودية: الحوكمة منذ اليوم الأول ليست ترفًا إداريًا | المحامي محمد المزيّن

تأسيس شركة في السعودية: الحوكمة منذ اليوم الأول ليست ترفًا إداريًا

تأسيس شركة في السعودية هو محور هذا المقال وما يتصل به من حوكمة منذ اليوم الأول.

تأسيس شركة في السعودية والحوكمة منذ اليوم الأول

إذا كنت تؤسس مصنعًا أو شركة مقاولات في الرياض، فاعلم أن أول قرار حوكمة تتخذه يبدأ قبل أول قرار إنتاج. فالتأسيس الحقيقي لا يبدأ بالسجل التجاري، بل بوضوح من يملك القرار، ومن يراقب التنفيذ، ومن يُحاسب عند الخطأ. وفي بيئة الصناعة والمشاريع الكبرى، الحوكمة ليست واجهة تنظيمية، بل نظام أمان قانوني يضمن استمرار الشركة ويحمي مجلس إدارتها من المخاطر المستقبلية.

هذا المقال موجّه إلى رئيس مجلس الإدارة الذي يسعى إلى تأسيس شركته الصناعية أو شركة المقاولات على أساس متين، وفق نظام الشركات الجديد، وبما يتوافق مع لائحة الحوكمة السعودية الحديثة.

ماذا ستقرأ في هذا المقال؟

في هذا المقال ستجد قراءة عملية للحوكمة بوصفها عنصرًا تأسيسيًا لا إداريًا، وكيف يمكن لرئيس مجلس الإدارة أن يبني منظومة قرارات تضمن سلامة الشركة منذ لحظة إنشائها.

  • متى بدأت الحوكمة في السعودية وتطورها النظامي.
  • من المسؤول عن تطبيق الحوكمة داخل الشركات الصناعية وشركات المقاولات.
  • الفرق بين التأسيس القانوني والتأسيس المؤسسي.
  • وأهم المبادئ التي ينبغي اعتمادها من اليوم الأول لتفادي النزاعات مستقبلاً.

نبذة عن الكاتب

المحامي والمحكَّم محمد المزيّن، بخبرة تمتد لأكثر من خمسة عشر عامًا، متخصص في قضايا المقاولات والنزاعات الإنشائية والعقود الحكومية وعقود الامتياز التجاري. حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق من جامعة الملك سعود بالرياض عام 2009م، ويمتلك خبرة عملية واسعة من خلال عمله مع عدد من الشركات الوطنية الكبرى، منها مجموعة المجدوعي، وشركة بن زقر، وشركة الاستثمارات التعدينية المتحدة، وشركة الموارد المساهمة المدرجة، وشركة البترول الذهبي للاستثمار.

متى بدأت الحوكمة في السعودية؟

بدأ الحديث عن الحوكمة في السعودية مع بدايات الألفية الجديدة، حين أطلقت هيئة السوق المالية أولى لوائحها لتنظيم الشركات المساهمة المدرجة. غير أن التحوّل الجوهري حدث مع صدور نظام الشركات الجديد لعام 2022، الذي نقل الحوكمة من كونها توصية تنظيمية إلى التزام نظامي يشمل حتى الشركات غير المدرجة والمغلقة.

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت لائحة حوكمة الشركات مرجعًا رئيسيًا يُحتذى به حتى في الشركات العائلية والمصانع الخاصة، إذ لم تعد الحوكمة محصورة في سوق الأسهم، بل أصبحت لغة الإدارة الرشيدة في جميع القطاعات، ولا سيما الصناعة والمقاولات، حيث حجم الالتزامات والمخاطر أكبر من أن يُترك للاجتهاد الفردي.

الحوكمة في السعودية لم تبدأ كنظام رقابي فحسب، بل كخيار وطني لضمان استدامة الأعمال وتقليل النزاعات التجارية.

ما المقصود بحوكمة الشركات؟

الحوكمة ببساطة هي “فن توزيع السلطة بمسؤولية”. إنها الإطار الذي يضمن أن تُدار الشركة بشفافية، وأن تُتخذ القرارات في الوقت المناسب من الجهة المخوّلة بها.

وليست الحوكمة لوائح داخلية أو تقارير سنوية فحسب، بل ثقافة إدارة تبدأ من أول اجتماع لمجلس الإدارة. ففي الشركات الصناعية وشركات المقاولات، تحدد الحوكمة من يوافق على العقود، ومن يتابع الأداء، ومن يرفع التقارير المالية.

الهدف ليس تقييد الإدارة، بل تنظيمها. فحين تكون الأدوار محددة بوضوح، تقل الأخطاء، وتنخفض فرص النزاع بين الشركاء، ويصبح مسار القرارات أكثر انضباطًا.

من المسؤول عن حوكمة الشركات؟

وفق النظام السعودي، مجلس الإدارة هو الجهة المسؤولة عن وضع سياسات الحوكمة ومتابعة تنفيذها. وتتوزع المسؤولية على ثلاثة مستويات:

  • رئيس مجلس الإدارة: يضع الإطار العام ويضمن الالتزام بالحوكمة في القرارات الجوهرية.
  • اللجان المنبثقة عن المجلس: مثل لجنة المراجعة ولجنة المخاطر، وهي المسؤولة عن الرقابة المالية والإدارية.
  • الإدارة التنفيذية: تطبّق السياسات وتقدّم التقارير الدورية للمجلس دون تجاوز صلاحياتها.

وفي الشركات الصناعية تحديدًا، يمثل هذا التوازن أهمية بالغة؛ فكثير من النزاعات تنشأ عندما تتداخل مهام الرئيس التنفيذي مع صلاحيات المجلس، أو عندما تُتخذ قرارات مالية كبيرة دون اعتماد نظامي أو تفويض مكتوب.

لماذا تبدأ الحوكمة منذ اليوم الأول؟

يؤجل بعض المؤسسين مسألة الحوكمة إلى ما بعد تشغيل المشروع أو بعد زيادة رأس المال، وكأنها ترف تنظيمي. والحقيقة أن اللحظة التي تُسجَّل فيها الشركة هي لحظة ميلاد مسؤولياتها القانونية.

فالخطأ في تأسيس مصنع أو شركة مقاولات لا يظهر في الشهور الأولى، بل عند أول أزمة أو خلاف بين الشركاء أو الإدارة. حينها يُكتشف أن لا محاضر قرارات، ولا نظام تفويض واضح، ولا لائحة داخلية تحدد من يوقّع باسم الشركة أو من يعتمد الإنفاق.

الفرق بين من يبدأ الحوكمة منذ اليوم الأول، ومن يؤجلها، هو الفرق بين شركة تُدار بالعقل، وأخرى تُدار بالارتجال.

وفي المصانع تحديدًا، تضمن الحوكمة المبكرة:

  • وضوح خطوط التوريد والتعاقدات.
  • سلامة القرارات الشرائية والإدارية من الناحية النظامية.
  • وضوح العلاقة بين المالك والمجلس والإدارة التنفيذية.

الفرق بين التأسيس القانوني والتأسيس المؤسسي

يخلط كثير من رجال الأعمال بين التأسيس القانوني والتأسيس المؤسسي.

  • التأسيس القانوني: هو الجانب الإجرائي — استخراج السجل التجاري، الترخيص الصناعي، فتح الحساب البنكي، وتوثيق العقد.
  • التأسيس المؤسسي: هو ما يجعل الشركة “حية” بعد ذلك — من يملك القرار، ومن يوقّع العقود، ومن يعتمد الصرف، ومن يراجع الأداء.

وفي المدن الصناعية بالرياض، تواجه بعض المصانع خلافات إدارية حادة بعد التشغيل، فقط لأن قرارات التأسيس لم تتضمّن هيكل تفويض واضحًا. فبينما يحمي القانون الشكل، تحمي الحوكمة المضمون.

ما الذي تضمنه لائحة حوكمة الشركات في السعودية؟

اللائحة الصادرة عن هيئة السوق المالية وضعت أربعة محاور رئيسية، تمثل الأساس لأي نظام حوكمة فعّال في الشركات الصناعية وشركات المقاولات:

  • وضوح الأدوار والصلاحيات: تحديد العلاقة بين المجلس والإدارة التنفيذية.
  • الإفصاح عن تضارب المصالح: لا يجوز لأي عضو مجلس إدارة أو مدير أن يشارك في قرار له فيه مصلحة مباشرة دون إفصاح.
  • تشكيل اللجان: مثل لجنة المراجعة والمخاطر والترشيحات والمكافآت.
  • توثيق القرارات: من خلال محاضر معتمدة تضمن سلامة الإثبات عند النزاع.

وتشدد اللائحة على أن تطبيق الحوكمة لا يقتصر على الشركات المساهمة، بل يشمل أيضًا الشركات ذات المسؤولية المحدودة إذا اقتضى حجمها أو طبيعة نشاطها ذلك، وهو ما ينطبق على أغلب المصانع المتوسطة في الرياض وسدير والخرج.

وبعبارة أخرى، إذا كانت شركتك تخضع لتفتيش “مدن” أو وزارة الصناعة، فهي أيضًا معنية ضمنيًا بتطبيق مبادئ الحوكمة.

الأخطاء الشائعة لدى رؤساء المجالس في الشركات الصناعية

  • منح صلاحيات شفهية دون محاضر أو تفويض مكتوب.
  • توقيع العقود الكبرى دون عرضها على المجلس أو اللجان المختصة.
  • الجمع بين رئاسة المجلس والإدارة التنفيذية دون ضوابط واضحة.
  • إهمال محاضر الاجتماعات التي تمثل في النظام السعودي دليلاً أساسياً للإثبات.
  • ضعف سياسات الإفصاح المالي والرقابة الداخلية.

وتُكتشف هذه الأخطاء عادة بعد حدوث خلاف أو مطالبة مالية أو قضية تحكيم، حين تُسأل الشركة: من قرر؟ ومن وافق؟ ومن فوّض؟ والجواب الغامض في تلك اللحظة قد يتحول إلى مسؤولية نظامية مباشرة على الرئيس أو الأعضاء.

أهمية الحوكمة للمستثمرين والمصانع

  • للمستثمرين: تعني الحوكمة الثقة في أن أموالهم تُدار بآليات مراقبة ومحاسبة واضحة.
  • للمصانع: تعني استمرارية الإنتاج دون تعطيل إداري، ووضوح المسؤولية في كل عقد أو توريد.
  • للسوق: تعني بيئة شفافة ترفع جودة التعامل بين المقاولين والموردين والعملاء.

النتيجة النهائية: كلما ارتفع وعي الشركة بالحوكمة، انخفضت احتمالات النزاع وازدادت فرص النمو والتمويل.

الأسئلة الشائعة عند تأسيس شركة في السعودية

الأسئلة الشائعة حول حوكمة الشركات في السعودية

متى بدأت الحوكمة في السعودية؟
بدأت فعليًا عام 2006م مع أول لائحة صادرة من هيئة السوق المالية، وتطورت حتى أصبحت إلزامية بعد نظام الشركات الجديد لعام 2022.

من المسؤول عن تطبيق الحوكمة؟
مجلس الإدارة هو المسؤول الأول عن وضع السياسات، وتتابع الإدارة التنفيذية تنفيذها، بينما تراقب اللجان الداخلية الأداء والالتزام.

ما هو قانون حوكمة الشركات؟
هو مجموعة من القواعد الصادرة عن هيئة السوق المالية ووزارة التجارة لتنظيم العلاقة بين الملاك والمجلس والإدارة، وضمان الشفافية والمساءلة.

هل تطبق الحوكمة على المصانع؟
نعم، خاصة المصانع المتوسطة والكبيرة في المدن الصناعية بالرياض وسدير، لأنها تُعامل كشركات تجارية تخضع لمتطلبات الامتثال والرقابة.

ما الفرق بين التأسيس القانوني والتأسيس المؤسسي؟
القانوني يتعلق بالإجراءات الرسمية (السجل، الترخيص، العقد)، بينما المؤسسي يتعلق بإدارة القرار داخل الشركة (الصلاحيات، المحاضر، اللجان).

خلاصة عند تأسيس شركة في السعودية

خاتمة

في النهاية، لا يُقاس نجاح رئيس مجلس الإدارة بعدد المشاريع التي وقّعها، بل بعدد القرارات التي اتخذها بطريقة نظامية صحيحة.

الوقت الذي يُستثمر في بناء حوكمة الشركة منذ اليوم الأول هو وقت يُكسبك استدامة لسنوات قادمة، ويجنبك نزاعات مع المساهمين أو الشركاء أو الجهات الحكومية.

الحوكمة ليست ترفًا إداريًا؛ إنها صمام الأمان الأول لأي شركة صناعية أو شركة مقاولات في السعودية، وخاصة حين تكون الرياض مركز انطلاقها.

روابط ذات صلة: