المقدمة التمهيدية
المركز السعودي للتحكيم التجاري أصبح اليوم منصة أساسية لإدارة نزاعات العقود في السوق السعودي، خاصة في عقود المقاولات والصناعة والعقود بين الشركات المساهمة. وتحدد
قواعد التحكيم في المركز السعودي للتحكيم التجاري، ولا سيما ما ورد في المادة الثانية، نطاق تطبيق هذه القواعد وتاريخ سريانها ودور المركز في إدارة إجراءات التحكيم. كما تبين علاقتها بالأنظمة السعودية والإجراءات المعجّلة والتحكيم الإلكتروني. فهم هذه الأحكام يساعد الشركات على صياغة شرط تحكيم فعّال يقلل المخاطر الإجرائية عند وقوع النزاع ويضمن استقرار التعاملات التجارية.
ماذا ستقرأ في هذا المقال؟
- متى تخضع منازعات العقود لقواعد التحكيم في المركز السعودي للتحكيم التجاري.
- أثر تاريخ بدء التحكيم على سريان القواعد والملاحق المرتبطة بها.
- دور المركز في إدارة إجراءات التحكيم وتسيير ملف النزاع.
- كيفية تعامل القواعد مع النصوص النظامية الآمرة في السعودية.
- ارتباط القواعد بالإجراءات المعجّلة والتحكيم الإلكتروني وأثر ذلك على سرعة حسم النزاع.
نبذة عن الكاتب
المحامي والمحكَّم محمد المزيّن، بخبرة تمتد لأكثر من خمسة عشر عامًا، متخصص في قضايا المقاولات والنزاعات الإنشائية والعقود الحكومية وعقود
الامتياز التجاري. حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق من جامعة الملك سعود بالرياض عام 2009م، ويمتلك خبرة عملية واسعة من خلال عمله مع عدد من الشركات الوطنية الكبرى، منها مجموعة المجدوعي، وشركة بن زقر، وشركة الاستثمارات التعدينية المتحدة، وشركة الموارد المساهمة المدرجة، وشركة البترول الذهبي للاستثمار.
متى تخضع المنازعات لقواعد التحكيم في المركز السعودي للتحكيم التجاري؟
تنطلق قواعد المركز السعودي للتحكيم التجاري من مبدأ أساسي هو اتفاق الأطراف. فمتى اتفق الأطراف على إحالة النزاع إلى المركز، امتد نطاق تطبيق القواعد إلى تلك المنازعة، سواء كانت تعاقدية أو غير تعاقدية مرتبطة بالعلاقة الأصلية.
أولاً: عند النص صراحة على التحكيم وفق قواعد المركز
إذا تضمّن عقد المقاولة أو العقد الصناعي أو عقد الشراكة بين الشركات نصاً من قبيل:
“تُحال جميع المنازعات إلى التحكيم وفق قواعد التحكيم المعمول بها لدى المركز السعودي للتحكيم التجاري”.
فإن هذا النص يجعل جميع المنازعات الناشئة عن العلاقة القانونية المحددة خاضعة لقواعد المركز، ومن ذلك على سبيل المثال:
- منازعات تعاقدية، مثل:
- تأخّر تسليم مشروع إنشائي.
- وجود عيوب في أعمال المقاولات.
- خلافات في عقود إنشاء وتشغيل المصانع.
- مشكلات في عقود توريد المعدات والخطوط الإنتاجية.
- منازعات غير تعاقدية مرتبطة بهذه العلاقة، كالمسؤولية عن الأضرار الناتجة عن تنفيذ المشروع أو تعطّل الإنتاج.
بهذا الأسلوب تغطي قواعد التحكيم في المركز السعودي للتحكيم التجاري المنظومة الكاملة للعلاقة محل العقد، ولا تنحصر في بنود محددة فقط.
ثانياً: عند الاتفاق على التحكيم أمام المركز دون ذكر القواعد
قد يكتفي الأطراف بالنص على أن:
“أي نزاع ينشأ عن هذا العقد يُحال إلى التحكيم أمام المركز السعودي للتحكيم التجاري”.
في هذه الصورة لا يشار صراحة إلى القواعد، ومع ذلك يُفهَم من اختيار المركز أن الأطراف يقبلون تطبيق قواعده وإدارته للنزاع. ويُعد هذا الاختيار تفويضاً للمركز في تنظيم الإجراءات، ويحمي الأطراف من آثار سهو الصياغة أو الجدل حول بطلان شرط التحكيم بسبب عدم ذكر القواعد بالاسم.
ما هو أثر تاريخ بدء التحكيم على سريان القواعد؟
تربط قواعد المركز السعودي للتحكيم التجاري سريانها بتاريخ بدء التحكيم، وليس بتاريخ إبرام العقد أو تاريخ ظهور النزاع.
- دخلت القواعد حيز النفاذ في 11 شوال 1444هـ الموافق 1 مايو 2023م.
- تطبق القواعد على أي تحكيم يبدأ بعد هذا التاريخ، مهما كان تاريخ العقد أو المشروع.
مثال يوضح الفكرة:
- أبرم عقد إنشاء مصنع في عام 2021م.
- نشأ النزاع في عام 2023م.
- قدّم أحد الأطراف طلب التحكيم إلى المركز في يونيو 2024م.
في هذه الحالة تُدار المنازعة وفق القواعد السارية بعد 1 مايو 2023م، بما في ذلك الملاحق التي تُعد جزءاً من قواعد التحكيم في المركز السعودي للتحكيم التجاري.
ولضمان وضوح الاتفاق، يستحسن أن يتضمن شرط التحكيم صياغة مثل:
“وفق قواعد التحكيم المعمول بها لدى المركز السعودي للتحكيم التجاري النافذة وقت بدء إجراءات التحكيم”.
هذه الصياغة تجعل الاتفاق منسجماً مع منهج القواعد في ربط السريان بتاريخ بدء إجراءات التحكيم.
الاستشارة القانونية
الشركات المساهمة وشركات المقاولات والصناعة تتعامل مع عقود ذات مبالغ كبيرة والتزامات متشابكة، وأي خلل في شرط التحكيم قد يفتح نزاعات إجرائية قبل الدخول في أصل الحق. لذلك من الأفضل مراجعة صياغة شرط التحكيم في العقود التي تُحال إلى المركز السعودي للتحكيم التجاري، والتأكد من توافقها مع أحكام المادة الثانية وبقية القواعد ذات الصلة.
للحصول على استشارة قانونية متخصصة في قضايا الشركات أو النزاعات التجارية، يمكن التواصل مع مكتب المحامي محمد المزيّن لصياغة ومراجعة شروط التحكيم في عقودكم.
ما هو دور المركز السعودي للتحكيم التجاري في إدارة إجراءات التحكيم؟
لا تقتصر القواعد على بيان نطاق تطبيقها، بل توضّح كذلك دور المركز في إدارة
إجراءات التحكيم بصفته المسؤول الإداري عن العملية كاملة.
ومن أبرز مهامه الإدارية:
- استلام طلبات التحكيم وفتح ملف مستقل لكل نزاع.
- إبلاغ الطرف الآخر بصورة من الطلب وتحديد المواعيد اللازمة للرد.
- متابعة تبادل المذكرات والمستندات بين الأطراف وهيئة التحكيم.
- تنظيم الرسوم والودائع بما يتناسب مع قيمة النزاع وطبيعته.
- الإشراف على إجراءات تعيين المحكّمين واستبدالهم عند الحاجة وفق القواعد المعتمدة.
كما تنص القواعد على وجود مجلس للقرارات الفنية ينظر في مسائل محددة، مثل بعض قرارات تعيين أو استبدال المحكّمين، أو حسم موضوعات إجرائية معينة، وذلك وفق القواعد المنظمة لعمل هذا المجلس.
ويقدّم المركز خدماته من خلال مكاتب إدارة القضايا التابعة له، أو عبر مؤسسات تحكيم تربطه بها اتفاقيات تعاون، مع بقاء مسؤولية إدارة التحكيم الذي يجري وفق هذه القواعد تحت مظلته أو مظلة الجهة التي يفوضها.
للاطلاع على شرح تفصيلي لخطوات وإجراءات رفع دعوى التحكيم أمام المركز، يمكن الرجوع إلى مقال:
شرح دليل إجراءات التحكيم في المركز السعودي للتحكيم
.
كيف تتعامل قواعد المركز مع النصوص النظامية الآمرة في القانون المنطبق؟
تُفهَم قواعد التحكيم في المركز السعودي للتحكيم التجاري وتُطبّق في ضوء الأنظمة الإلزامية المعمول بها في المملكة، أو أي قانون آخر يكون واجب التطبيق على التحكيم.
وعند تعارض قاعدة إجرائية في القواعد مع حكم آمر في نظام لا يملك الأطراف الاتفاق على مخالفته، تتقدم النصوص النظامية الآمرة. وينتج عن ذلك ما يأتي:
- لا يجوز لشرط التحكيم أو لقواعد الإجراءات أن يخالف أحكاماً إلزامية في نظام التحكيم أو نظام الشركات أو غيرها من الأنظمة ذات الصلة.
- تلتزم هيئة التحكيم بتعديل الإجراءات بما ينسجم مع هذه الأحكام، حتى لو استلزم الأمر تجاوز بعض ما ورد في القواعد في موضع التعارض.
- يساعد هذا الالتزام على حماية حكم التحكيم من الطعن بالبطلان بسبب مخالفة نصوص آمرة.
كيف ترتبط القواعد بالإجراءات المعجّلة والتحكيم الإلكتروني؟
لا تقتصر قواعد المركز السعودي للتحكيم
التجاري على الإطار التقليدي للتحكيم، بل تمتد إلى تنظيم الإجراءات المعجّلة والتحكيم الإلكتروني من خلال ملاحق تُعد جزءاً من القواعد.
الإجراءات المعجّلة
عندما يندرج النزاع ضمن الحالات التي يحددها الملحق الخاص بالإجراءات المعجّلة، يُدار التحكيم وفق مسار مختصر يهدف إلى:
- تقليص المدد الإجرائية قدر الإمكان.
- تقليل عدد الجلسات والمذكرات المتبادلة.
- الوصول إلى حسم سريع للنزاع، وهو أمر مهم في المشاريع الإنشائية والصناعية المستمرة.
التحكيم الإلكتروني
يتيح الملحق الخاص بالتحكيم الإلكتروني إدارة الجلسات والإخطارات وتبادل المستندات بوسائل إلكترونية معتمدة، بما يناسب طبيعة الأعمال التي يعمل أطرافها أو فرقها في مدن أو دول مختلفة. ويسهم هذا التنظيم في تقليل التكاليف وتسريع التواصل بين الأطراف وهيئة التحكيم.
حرية الأطراف في الاستبعاد وأولوية الملاحق
تبقي القواعد للأطراف حرية الاتفاق على استبعاد تطبيق الإجراءات المعجّلة أو استبعاد التحكيم الإلكتروني إذا رأوا أن مصلحتهم التعاقدية تقتضي ذلك، ما دام الاتفاق لا يخالف نصاً نظامياً آمراً.
وعند التعارض بين أحكام القواعد العامة وأحكام الملحق الخاص بالإجراءات المعجّلة أو الملحق الخاص بالتحكيم الإلكتروني، تتقدم الأحكام الخاصة الواردة في هذه الملاحق متى انطبق نطاقها على النزاع محل التحكيم.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
هل يكفي ذكر “المركز السعودي للتحكيم التجاري” في العقد لتطبيق قواعده؟
نعم، مجرد النص على إحالة النزاع إلى التحكيم أمام المركز السعودي للتحكيم التجاري يؤدي – كأصل عام – إلى تطبيق
قواعد التحكيم المعتمدة لدى المركز، ولو لم تُذكر هذه القواعد بالاسم.
ما أهمية تاريخ 1 مايو 2023م بالنسبة للعقود القائمة؟
كل تحكيم يبدأ بعد هذا التاريخ يخضع للقواعد النافذة في المركز السعودي للتحكيم التجاري، حتى لو كان العقد أو المشروع مبرماً قبل ذلك، وذلك في حدود ما يجيزه النظام وما لم يتفق الأطراف على تنظيم آخر مشروع.
هل يمكن استبعاد الإجراءات المعجّلة أو التحكيم الإلكتروني؟
يجوز للأطراف النص صراحة في العقد أو في اتفاق لاحق على عدم تطبيق الإجراءات المعجّلة أو عدم اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني، وتسمح قواعد المركز بهذه الحرية ما دامت لا تخالف الأنظمة الآمرة.
ماذا يحدث إذا تعارضت قاعدة من قواعد المركز مع نص آمر في النظام السعودي؟
في حال التعارض تتقدم النصوص النظامية الآمرة، وتلتزم هيئة التحكيم بتعديل الإجراءات بما يوافقها، حفاظاً على صحة حكم التحكيم وقابليته للتنفيذ.
من يدير إجراءات التحكيم عملياً؟
يتولى المركز السعودي للتحكيم التجاري إدارة إجراءات التحكيم باعتباره المسؤول الإداري، وقد يفوّض بعض المهام إلى مكاتب إدارة القضايا التابعة له أو إلى مؤسسات متعاونة، مع بقاء المرجعية الإجرائية تحت مظلته. ولمن يرغب في تقديم طلب تحكيم يمكنه مراجعة تفاصيل أكثر في مقال
طلب تحكيم وفق النظام السعودي
.
الخاتمة
ترسم قواعد التحكيم في المركز السعودي للتحكيم التجاري إطاراً واضحاً لنطاق تطبيقها على منازعات العقود التجارية، وخصوصاً عقود المقاولات والمشاريع الصناعية. كما تربط بين قيام اتفاق التحكيم وتاريخ بدء الإجراءات ودور المركز في إدارة ملف النزاع، مع الالتزام بالنصوص النظامية الآمرة وإتاحة الاستفادة من الإجراءات المعجّلة والتحكيم الإلكتروني. إدراك هذه الأحكام يساعد الشركات على تضمين شرط تحكيم متين في عقودها، ويقلل من المنازعات الإجرائية، ويجعل اللجوء للتحكيم المؤسسي وسيلة فعّالة لإدارة المخاطر القانونية في السوق السعودي.
مقالات ذات صلة
ملخص تعريفي قصير
يوضح هذا المقال نطاق تطبيق قواعد التحكيم في المركز السعودي للتحكيم التجاري واستنادها إلى المادة الثانية، مع بيان أثر تاريخ بدء التحكيم على سريان القواعد والملاحق. كما يشرح دور المركز في إدارة إجراءات التحكيم، وطريقة تعامله مع النصوص النظامية الآمرة، وتنظيمه للإجراءات المعجّلة والتحكيم الإلكتروني. ويهدف المقال إلى مساعدة الشركات، خاصة شركات المقاولات والصناعة، على صياغة شروط تحكيم واضحة وآمنة في عقودها التجارية.

