من يكشف حصان طروادة المانح في عقود الامتياز التجاري؟

يشهد الامتياز التجاري في السعودية نموًا متسارعًا مع توسّع العلامات المحلية والعالمية، وحرص الجهات الحكومية مثل وزارة التجارة و”منشآت” على دعم رواد الأعمال. لكن خلف هذا النمو تكمن مخاطر حقيقية قد لا تُرى من الوهلة الأولى، أشبه بـ”حصان طروادة” يخفي التزامات مالية وتشغيلية تثقل كاهل صاحب الامتياز بعد التوقيع.

المعارض والفعاليات المخصصة للامتياز التجاري تبدو مشهدًا مبهرًا: أجنحة أنيقة، عروض مرئية، ووعود بأرباح عالية. لكن المستثمر الواعي أو المحامي المتخصص لا يتوقف عند البريق الخارجي؛ بل يسأل أسئلة جوهرية: هل رسوم الامتياز الأولية متناسبة مع حجم الدعم والتدريب الموعود؟ هل الإتاوات الشهرية مرنة وتعتمد على المبيعات الفعلية، أم أنها ثابتة لا ترحم؟ ما دور صندوق التسويق، وهل ينعكس فعليًا في رفع مبيعات الممنوحين؟

والأهم: ماذا يحدث لو قرر المانح ممارسة إعادة هندسة القائمة (Menu Re-Engineering)، وألزم الممنوح بشراء معدات جديدة أو استيراد مكونات غير متوفرة محليًا؟ هنا قد تتغير دراسة الجدوى من جذورها ويتحول المشروع من فرصة مربحة إلى عبء مالي خانق.

الوسيط التجاري: عيادة وقائية للممنوح

في خضم هذه التساؤلات يظهر دور وسيط الامتياز التجاري المرخّص في السعودية. فهو ليس مجرد وسيط يربط بين المانح والممنوح؛ بل أشبه بعيادة وقائية تكشف الأعراض قبل أن تتحول إلى مرض مزمن.

مهام الوسيط الجوهرية

  • فحص رسوم الامتياز الأولية ومدى منطقيتها.
  • تقييم شفافية الإتاوات الشهرية ورسوم الدعم الفني.
  • اختبار جدوى صندوق التسويق مقارنة بما يتحقق على أرض الواقع.
  • لفت الانتباه إلى البنود المخفية أو الغامضة في عقود الامتياز التجاري.
  • توجيه الممنوح إلى استشارة قانونية أو تحكيمية إذا ظهرت مؤشرات خطورة.

بذلك، لا يقتصر دور الوسيط على قراءة العرض التسويقي، بل يتعمق في “ما وراء النص” ليملأ الفراغات التي قد يغفل عنها المستثمر المتحمس.

حالة عملية: العقد الذي خبأ حصان طروادة

في إحدى القضايا التي توليناها في مكتب محمد المزين للمحاماة، واجهنا نزاعًا معقدًا بين ممنوح ومانح امتياز عالمي. العقد كان يلمع بوعود التدريب والدعم التشغيلي، لكنه أخفى وراءه التزامات مالية ثقيلة: رسوم إضافية على أنظمة نقاط البيع، التزام حصري بشراء مواد خام من مورد خارجي بتكلفة مضاعفة، ومساهمة إجبارية في صندوق تسويق بلا تقارير شفافة.

هذه البنود لم تُذكر بوضوح في العرض الأولي، لكنها ظهرت لاحقًا كـ”حصان طروادة” داخل العقد. النتيجة: نزاع تحكيمي أمام المركز السعودي للتحكيم التجاري (SCCA) كلف الممنوح مئات الآلاف من الريالات. ولو أنه لجأ منذ البداية إلى وسيط امتياز تجاري أو استشارة قانونية بسيطة، لكان تجنّب هذه الخسائر.

المخاطر القانونية لعقود الامتياز التجاري

عقود الامتياز ليست مجرد وثائق تجارية؛ بل التزامات قانونية قد تستمر لسنوات طويلة. ومن أبرز المخاطر التي يواجهها الممنوح:

  1. الرسوم غير المعلنة: مثل فرض تكاليف إضافية على التدريب أو البرمجيات.
  2. التزامات الشراء الإجباري: إجبار الممنوح على شراء معدات أو مواد من مصادر محددة بأسعار غير تنافسية.
  3. صناديق التسويق: غياب الشفافية حول أوجه الصرف والعوائد.
  4. إعادة هندسة القائمة: إدخال منتجات جديدة تُرهق الممنوح دون دراسة للسوق المحلي.
  5. شروط التحكيم والإعفاء من المسؤولية: قد تُقيّد حق الممنوح في التقاضي أو تفرض عليه اللجوء لتحكيم مكلف.

لماذا الوسيط ضرورة وليس رفاهية؟

قد يتساءل البعض: هل أحتاج فعلًا إلى وسيط الامتياز التجاري أو محامٍ متخصص قبل التوقيع؟ الحقيقة أن استشارة مبكرة قد تكلّفك ما يعادل ٢٠–٢٥٪ من قيمة الرسوم الأولية، لكنها قادرة على حمايتك من نزاع قد يلتهم أضعاف هذا المبلغ.

من منظور عملي، الوسيط يملك القدرة على:

  • مقارنة عقود متعددة في نفس القطاع.
  • كشف الفخاخ اللغوية التي قد لا يلاحظها غير المتخصص.
  • التفاوض على تعديلات تحفظ توازن العلاقة.

وبالتالي، الوسيط ليس عائقًا أمام إتمام الصفقة، بل صمام أمان يحمي استثمارك.

الجهات الحكومية الداعمة

المملكة العربية السعودية قطعت شوطًا كبيرًا في تنظيم قطاع الامتياز التجاري:

  • أصدرت نظام الامتياز التجاري عبر وزارة التجارة.
  • أنشأت مركز الامتياز التجاري لتسجيل الاتفاقيات والرقابة.
  • دعمت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت) برامج الإرشاد والتمويل.
  • أتاح المركز السعودي للتحكيم التجاري (SCCA) إطارًا متخصصًا للتحكيم في منازعات الامتياز.

لكن يظل الدور الأهم على الممنوح نفسه: أن يطلب المشورة المتخصصة قبل التوقيع، بدل أن يندم بعد الدخول في نزاع طويل.

  • عقود الامتياز التجاري قد تخفي “حصان طروادة” عبر رسوم أو التزامات غير واضحة.
  • الوسيط التجاري المرخّص في السعودية هو العيادة الوقائية للممنوح.
  • المخاطر تشمل الرسوم الإضافية، صناديق التسويق غير الشفافة، وإعادة هندسة القائمة.
  • نزاعات الامتياز قد تصل إلى التحكيم وتكلف الممنوح أضعاف ما دفعه أولًا.
  • استشارة بسيطة قد تحمي مشروعك بالكامل.
  1. ما المقصود بـ”حصان طروادة” في عقود الامتياز؟

    هو بند يبدو إيجابيًا ظاهريًا لكنه يخفي التزامات مرهقة مثل رسوم أو شروط شراء مجحفة.

  2. هل الاستعانة بوسيط الامتياز إلزامية؟

    ليست إلزامية قانونًا، لكنها أداة حماية جوهرية للممنوح.

  3. ما أبرز الفروق بين الوسيط والمحامي في الامتياز التجاري؟

    الوسيط يركز على الجوانب التجارية والعملية، بينما المحامي يعالج الصياغة القانونية والالتزامات النظامية.

  4. هل تغني استشارات الجهات الحكومية عن الوسيط؟

    الجهات توفر دعمًا عامًا، لكن الوسيط يقدّم تقييمًا شخصيًا دقيقًا للعقد.

  5. كيف أتعامل إذا اكتشفت فخًا بعد توقيع العقد؟

    يمكن اللجوء إلى التفاوض أو رفع النزاع للتحكيم عبر المركز السعودي للتحكيم التجاري.

 خلاصة تنفيذية

  • الامتياز التجاري في السعودية فرصة كبرى لكن محفوفة بمخاطر خفية.
  • وجود وسيط الامتياز التجاري يحمي الممنوح من فخاخ العقود.
  • دراسة العقود بعمق تكشف الرسوم المخفية والتزامات الشراء الإجباري.
  • الجهات الحكومية وضعت إطارًا داعمًا لكن المسؤولية النهائية على الممنوح.
  • استشارة مبكرة قد تحمي المشروع من نزاع تحكيمي أو قضائي باهظ التكلفة.