الاعتراض على حكم في ناجز: الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد

جدول المحتويات

تمهيد

الاعتراض على حكم في ناجز أصبح اليوم من أكثر الإجراءات القضائية تداولاً بين المتقاضين في المملكة العربية السعودية، بعد أن تحولت منصة «ناجز» إلى البوابة الرقمية الموحدة للخدمات العدلية. ومع سهولة تقديم الاعتراض على حكم في ناجز إلكترونياً من أي مكان وفي أي وقت، يبرز سؤال فقهي ونظامي مهم:
هل يجوز أن يُنقض حكم قضائي اجتهادي لمجرد أن قاضياً أعلى يرى رأياً فقهياً أو نظامياً مختلفاً؟ أم أن القاعدة الأصولية الراسخة «الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد» تضع حدوداً لما يمكن نقضه من أحكام عبر درجات التقاضي؟

هذا المقال موجه للمتقاضين والمحامين وكل المهتمين بالعدالة الرقمية، ليقدّم تصوراً متكاملاً عن الاعتراض على حكم في ناجز، وحدود دور القاضي الأعلى في مراجعة الحكم الاجتهادي في ضوء القاعدة الفقهية «الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد».

ماذا ستقرأ في هذا المقال؟

  • معنى الاعتراض على حكم في ناجز وخطوات تقديمه عبر المنصة الإلكترونية.
  • التعريف الفقهي لقاعدة «الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد» وأهم أدلتها الشرعية.
  • العلاقة بين الاعتراض على الأحكام عبر ناجز وهذه القاعدة الأصولية.
  • متى يكون الاعتراض مجدياً ومتى يكون مجرد اختلاف اجتهاد لا يبرر نقض الحكم.
  • نصائح عملية لصياغة لائحة الاعتراض بطريقة مهنية تزيد من فرص قبولها.

نبذة عن الكاتب

المحامي والمحكَّم محمد المزيّن، بخبرة تمتد لأكثر من خمسة عشر عامًا، متخصص في قضايا المقاولات والنزاعات الإنشائية والعقود الحكومية وعقود الامتياز التجاري. حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق من جامعة الملك سعود بالرياض عام 2009م، ويمتلك خبرة عملية واسعة من خلال عمله مع عدد من الشركات الوطنية الكبرى، منها مجموعة المجدوعي، وشركة بن زقر، وشركة الاستثمارات التعدينية المتحدة، وشركة الموارد المساهمة المدرجة، وشركة البترول الذهبي للاستثمار.

السؤال الأول: ما المقصود بالاعتراض على حكم في ناجز؟

عند الحديث عن الاعتراض على حكم في ناجز فإن المقصود هو كل إجراء نظامي يُمكِّن الخصم من طلب مراجعة الحكم القضائي الصادر ضده عبر المنصة الإلكترونية لوزارة العدل، سواء كان هذا الاعتراض:

  • استئنافاً على حكم ابتدائي أمام محكمة الاستئناف.
  • طعناً بطريق النقض أمام المحكمة العليا في الحالات التي يجيزها النظام.
  • التماساً لإعادة النظر في أحوال محددة نص عليها النظام.
  • اعتراضاً على حكم غيابي بطلب المعارضة أمام المحكمة نفسها.

ومن الناحية العملية، تمر عملية الاعتراض على حكم في ناجز عادةً بالمراحل الآتية:

  1. الدخول إلى منصة «ناجز» عن طريق النفاذ الوطني الموحد.
  2. اختيار الخدمات القضائية، ثم الدخول إلى ملف القضية المراد الاعتراض على حكمها.
  3. اختيار خدمة «تقديم لائحة اعتراض» أو «طلب استئناف» بحسب نوع الحكم.
  4. تعبئة البيانات الأساسية للحكم والقضية.
  5. رفع مذكرة الاعتراض بصيغة (PDF) موقعة من صاحب الشأن أو ممثله النظامي.
  6. إرسال الطلب إلكترونياً ليُحال إلى المحكمة المختصة وفق نظام المرافعات.

بهذه الآلية أصبح الاعتراض على الحكم متاحاً تقنياً للجميع، لكن قبول الاعتراض أو رفضه يظل خاضعاً لضوابط شرعية ونظامية، من أهمها القاعدة الفقهية «الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد».

السؤال الثاني: ما هي قاعدة «الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد»؟

1. معنى الاجتهاد والنقض

الاجتهاد في الاصطلاح هو: بذل الفقيه أو القاضي وسعه في استنباط الحكم الشرعي في المسائل الظنية التي لا نص فيها أو تحتمل أكثر من وجه، اعتماداً على الأدلة والقواعد والأصول.
أما النقض فهو: إبطال الحكم بعد صدوره، أو رفع أثره بعد نفاذه.

2. التعريف الاصطلاحي للقاعدة

مفاد القاعدة أنَّه إذا أصدر القاضي حكماً في مسألة ظنية بناءً على اجتهاد معتبر، واستوفى الحكم أركانه وشروطه الظاهرة ونُفِّذ، فإن هذا الحكم لا يُنقض بمجرد ظهور اجتهاد آخر مخالف، سواء كان من القاضي نفسه أو من قاضٍ آخر، وإنما يُعمل بالاجتهاد الجديد في القضايا المستقبلية، مع إبقاء الحكم السابق على ما مضى.

هذه القاعدة تحقق مصلحتين أساسيتين:

  • استقرار الأحكام والحقوق المكتسبة الناتجة عن الأحكام القضائية.
  • رفع الحرج عن القضاة؛ إذ لو نُقض كل حكم بتغير اجتهاد القاضي أو باختلاف رأي من يأتي بعده، لاختل النظام القضائي وانتشرت الفوضى.

3. أهم أدلتها الشرعية بإيجاز

  • آيات أسرى بدر: اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الأسرى، وأخذ الفداء، ثم نزل القرآن مبيناً أن الأولى كان غير ذلك، ومع ذلك لم يُؤمر بنقض ما تم من أخذ الفداء. فدل ذلك على أن الاجتهاد المنفذ لا يُنقض باجتهاد لاحق، وإن كان الثاني أرجح.
  • اجتهاد الصحابة في القبلة: اجتهد بعض الصحابة في ليلة مظلمة فصلّوا إلى جهة حسب تحريهم، ثم تبيّن لهم بعد ذلك أنهم صلوا إلى غير القبلة، فأقرّهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأمرهم بإعادة ما مضى من الصلاة؛ لأنها بنيت على اجتهاد معتبر.
  • آثار عمر بن الخطاب رضي الله عنه: في قضائه في مسائل الميراث مثل «المشتركة» و«ميراث الجد»، حيث قضى فيها بأحكام متعددة في وقائع مختلفة، ثم قال: «تلك على ما قضينا، وهذه على ما نقضي»، فلم ينقض ما سبق من أحكامه مع تغير اجتهاده.
  • رسالته لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: وفيها الحث على الرجوع إلى الحق إذا بان، مع عدم الإشارة إلى نقض ما نفذ من الأحكام السابقة، بل العمل بالاجتهاد الجديد فيما يستقبل من القضايا.

كل ذلك يدل على أن الشريعة تقرر استقرار الأحكام الاجتهادية المنفذة، ولا تجعل اختلاف الاجتهاد وحده سبباً كافياً لنقضها.

السؤال الثالث: كيف ترتبط القاعدة بالاعتراض على حكم في ناجز؟

عند تقديم الاعتراض على حكم في ناجز، تنظر محكمة الاستئناف أو المحكمة العليا في الحكم المطعون فيه من زاويتين أساسيتين:

  1. سلامة الإجراءات: من حيث الاختصاص، والتبليغ، وسماع أقوال الخصوم، وتطبيق قواعد المرافعات.
  2. سلامة الاجتهاد القضائي: من حيث التكييف النظامي والشرعي للوقائع، ومدى موافقة الحكم للنصوص والأدلة والأنظمة واجبة التطبيق.

فإذا كان سبب الاعتراض أن الحكم:

  • خالف نصاً شرعياً قطعياً أو قاعدة قطعية في الشريعة.
  • خالف نصاً نظامياً واضحاً ملزماً للمحكمة.
  • بُني على بينات ثبت تزويرها أو عدم صحتها.
  • تضمن خطأ جسيماً في تصوير الوقائع أو تحديد أطراف الدعوى أو محل الحق.

فهنا لا يكون الحكم اجتهاداً صحيحاً منضبطاً، ويجوز للمحكمة العليا أو محكمة الاستئناف نقض الحكم وتصحيحه؛ لأن هذا من باب إزالة الخطأ الواضح، وليس من باب نقض «اجتهاد صحيح» باجتهاد آخر.

أما إذا كان الخلاف بين القاضي الذي أصدر الحكم، والقاضي الأعلى الذي ينظر الاعتراض، خلافاً اجتهادياً سائغاً في مسألة ظنية لكل قول فيها حظ من النظر، فإن القاعدة الفقهية «الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد» تقضي بألا يُنقض الحكم لمجرد أن القاضي الأعلى يرجح قولاً آخر، حفاظاً على استقرار القضاء ومنعاً لتضارب الأحكام.

فقرة الاستشارة القانونية

فهم العلاقة بين الاعتراض على حكم في ناجز وبين قاعدة «الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد» يتطلب جمعاً بين الإلمام بالنظام والفقه معاً. لذلك، وقبل التسرع في تقديم الاعتراض، من المهم عرض الحكم على متخصص لتقييم فرص نجاح الطعن وتحديد ما إذا كان الخطأ في الحكم اجتهادياً محتملاً أو خطأً نظامياً أو شرعياً بيّناً.

للحصول على استشارة قانونية متخصصة في الاعتراض على الأحكام القضائية عبر منصة ناجز، يمكنك التواصل مع مكتب المحامي والمحكَّم محمد المزيّن لبحث وقائع الدعوى ووضع استراتيجية قانونية مناسبة.

السؤال الرابع: متى يكون الاعتراض عبر ناجز مجدياً، ومتى يكون مجرد اختلاف اجتهاد؟

يمكن تبسيط الصورة للمتقاضي عبر التمييز بين حالتين:

1. اعتراض مبني على خطأ مؤثر

مثل أن:

  • يهمل القاضي بينة جوهرية مقدمة في الدعوى.
  • يخالف نصاً نظامياً صريحاً أو قاعدة شرعية ظاهرة.
  • يطبق نظاماً لا ينطبق على الواقعة محل النزاع.

في هذه الحالة غالباً يكون الاعتراض على حكم في ناجز ذا جدوى، لأن الطعن موجه إلى خطأ حقيقي في الحكم، لا إلى مجرد اختلاف في الرأي.

2. اعتراض مبني على عدم الرضا بالنتيجة فقط

كأن يكون جوهر الاعتراض:

  • أن التعويض أقل مما كان يتمنى المدعي.
  • أو أن تقدير النفقة لم يوافق رغبة أحد الطرفين.
  • أو أن القاضي اختار قولاً فقهياً معتبراً، والطرف يرغب في قول آخر.

هنا يكون الاعتراض أقرب إلى مجرد اختلاف اجتهاد بين الخصم والقاضي، أو بين قاضٍ وقاضٍ آخر،
وفي مثل هذه الصور تعمل القاعدة «الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد»، فيُرجح إبقاء الحكم ما دام مبنياً على اجتهاد معتبر.

السؤال الخامس: ما هي خطوات الاعتراض على الحكم في ناجز عملياً؟

يمكن تلخيص خطوات الاعتراض على حكم في ناجز كالتالي:

  1. التأكد من أن الحكم قابل للاعتراض وأنه لم يكتسب القطعية بعد، وأن مدة الاعتراض ما زالت سارية بحسب النظام.
  2. إعداد مذكرة اعتراض متكاملة، تتضمن:
    • بيانات الحكم والقضية.
    • عرضاً موجزاً لوقائع الدعوى كما وردت في الحكم.
    • بيان أوجه الخطأ النظامي أو الشرعي أو الواقعي المؤثر.
    • الطلبات الختامية بصياغة واضحة.
  3. الدخول على منصة ناجز، واختيار القضية، ثم خدمة «اعتراض على حكم» أو «استئناف».
  4. رفع مذكرة الاعتراض والمرفقات، وإرسال الطلب إلكترونياً.
  5. متابعة حالة الاعتراض عبر ناجز حتى إحالته لمحكمة الاستئناف أو المحكمة العليا، واستلام ما يستجد من قرارات.

كلما كانت مذكرة الاعتراض مركزة على النقاط الجوهرية، ومؤيدة بالنصوص النظامية والشرعية، زادت فرص قبولها.

صيغة اعتراض على حكم في ناجز (نموذج مبسّط)

كثير من المتقاضين يبحث عن صيغة اعتراض على حكم في ناجز يمكن الاعتماد عليها عند إعداد لائحة الاعتراض. والصحيح أن الصيغة تختلف باختلاف نوع القضية وطبيعة الطلبات، لكن يمكن الاسترشاد بنموذج عام يتكوّن من العناصر الآتية:

  • ديباجة تتضمن بيانات المحكمة ورقم القضية وأطرافها وموضوع الدعوى.
  • تمهيد يبيّن صدور الحكم المراد الاعتراض عليه وتاريخه وخلاصته.
  • عرض موجز لوقائع الدعوى كما وردت في الحكم مع ما يلزم من تصحيح أو توضيح.
  • فقرات مستقلة لأسباب الاعتراض النظامية والشرعية، مع إيراد النصوص والأدلة ذات الصلة.
  • خاتمة تتضمن الطلبات بعبارة واضحة، مثل: «لذلك ألتمس قبول الاعتراض شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المعترض عليه والحكم بـ…».

بهذه العناصر يحصل المتقاضي على صيغة اعتراض على حكم في ناجز واضحة ومنضبطة، مع بقاء التفاصيل خاضعة لطبيعة كل قضية وظروفها الخاصة، ولذلك يُستحسن دائماً مراجعة الصيغة من قبل محامٍ مختص قبل تقديمها.

الأسئلة الشائعة (FAQ)

س1: هل كل حكم يمكن الاعتراض عليه عبر ناجز؟

ليس كل حكم؛ فالأحكام النهائية القطعية لا تقبل الاعتراض العادي، وإنما قد يُفتح فيها باب التماس إعادة النظر في حالات استثنائية نص عليها النظام، مثل ظهور مستندات قاطعة أو ثبوت التزوير.

س2: ما المدة المحددة لتقديم الاعتراض على حكم في ناجز؟

تحدد الأنظمة القضائية مدة الاعتراض غالباً في حدود معينة من تاريخ تبليغ الحكم أو استلام صكّه، وتختلف المدة بحسب نوع الدعوى وطبيعتها. فوات المدة يترتب عليه – في الغالب – اكتساب الحكم للقطعية، وعدم قبول الاعتراض العادي بعد ذلك.

س3: هل الاعتراض على حكم في ناجز عليه رسوم قضائية؟

الأصل أن تقديم الاعتراض على حكم في ناجز بوصفه إجراءً تقنياً لا يستلزم رسوماً مستقلة، إلا أن بعض الدعاوى قد تخضع لأحكام نظام التكاليف القضائية بحسب نوعها، فضلاً عن أتعاب المحاماة أو تكاليف الترجمة وغيرها من المصاريف المساندة.

س4: ما هي صيغة الاعتراض على حكم في ناجز وماذا أكتب في مذكرة الاعتراض؟

ينبغي أن تتضمن مذكرة الاعتراض:

  • بيانات الحكم ورقم القضية والمحكمة.
  • ملخصاً موجزاً لوقائع الدعوى.
  • بيان أوجه الخطأ النظامي أو الشرعي أو الواقعي المؤثر.
  • الاستناد إلى النصوص النظامية أو الأحكام الشرعية ذات الصلة.
  • تحديد الطلبات بصيغة واضحة، مثل: «أطلب إلغاء الحكم المستأنف والحكم مجدداً بـ…».

ويمكن الاسترشاد بالعناصر الواردة في فقرة «صيغة اعتراض على حكم في ناجز (نموذج مبسط)»، مع تكييفها على وقائع كل قضية.

س5: هل يمكن الاعتراض على أحكام الأحوال الشخصية عبر ناجز؟

نعم، يمكن لكل من الزوج والزوجة الاعتراض على حكم في ناجز في قضايا الأحوال الشخصية متى كان الحكم غير نهائي، وكانت مدة الاعتراض قائمة. وتُعد قضايا الأسرة من أكثر المجالات التي يظهر فيها أثر القاعدة «الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد»؛ لأن كثيراً من مسائلها تقديرية وظنية، مما يستدعي الحرص على استقرار الأحكام وعدم نقضها لمجرد اختلاف وجهة النظر بين قاضٍ وآخر.

خاتمة المقال (خلاصة قانونية)

يتضح مما سبق أن الاعتراض على حكم في ناجز يمثل أداة مهمة لضمان سلامة الأحكام القضائية في المملكة، لكنه في الوقت ذاته إجراء منضبط تحكمه نصوص الأنظمة وقواعد الفقه الإسلامي، وفي مقدمتها قاعدة «الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد».

هذه القاعدة لا تعني غلق باب الاعتراض أو تحصين الأحكام من المراجعة، لكنها تمنع أن يكون مجرد اختلاف الاجتهاد سبباً كافياً لنقض أحكام صدرت صحيحة في ظاهرها واستقرت آثارها. وبين عدم الإفراط في نقض الأحكام، وعدم التفريط في تصحيح الأخطاء البينة، تتحقق العدالة المنشودة، وتترسخ الثقة بمنصة ناجز وبالمنظومة القضائية الرقمية في المملكة.

مقالات ذات صلة