قضايا المقاولات في السعودية: التظلم بموجب نظام المنافسات والمشتريات الحكومية
إعداد وكتابة: المحامي والمحكم محمد المزين المتخصص في قضايا المقاولات والنزاعات الإنشائية والعقود الحكومية
ماذا ستقرأ في هذا المقال؟
في هذا المقال المتخصص، سنستعرض بشكل تحليلي واستراتيجي أهم الجوانب القانونية والإدارية التي تمس قضايا المقاولات في السعودية، مع تركيز خاص على حق التظلم بموجب نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، ودوره في حماية الشركات ومجالس إدارتها من المخاطر النظامية والمالية.
ستتعرف من خلاله على:
- إجراءات التظلم النظامية خطوة بخطوة — بدءًا من التظلم لدى الجهة الحكومية، وصولاً إلى لجنة التظلمات بوزارة المالية.
- مسؤولية الإدارة العليا (رئيس المجلس، العضو المنتدب، المدير التنفيذي، ومدير المشتريات) في حماية الشركة والمساهمين من خلال إدارة المخاطر القانونية.
- حقوق المساهمين ودور التظلم في الحوكمة.
تمهيد
تُعد قضايا المقاولات الحكومية في المملكة العربية السعودية من أكثر القضايا حساسية وتعقيدًا، نظرًا لتداخلها بين الجوانب الفنية، القانونية، والإدارية، وتأثيرها المباشر على المراكز المالية للشركات والمساهمين على حد سواء. ومع تسارع النمو في مشاريع البنية التحتية والتنمية الوطنية ضمن رؤية السعودية 2030، أصبحت العلاقة بين المقاول والجهة الحكومية محكومة بإطار نظامي دقيق يهدف إلى تحقيق الشفافية والمنافسة العادلة وحماية المال العام.
ويأتي نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/128) وتاريخ 13/11/1440هـ، كأحد أهم الأنظمة التي تنظّم هذا القطاع، إذ وضع معايير واضحة لتنفيذ العقود، وضوابط للترسية، وآليات تظلم تُمكّن المقاولين من الاعتراض على القرارات التي تمس مصالحهم.
ومن هنا تبرز أهمية أن تكون الإدارة العليا في شركات المقاولات — من رئيس مجلس الإدارة إلى مدير المشتريات — على دراية كاملة بإجراءات التظلم النظامي كأداة قانونية لحماية الشركة من الخسائر غير المبررة، وضمان امتثالها للأنظمة الحكومية بما يحافظ على استقرارها المالي وسمعتها المؤسسية.
يهدف هذا المقال إلى تقديم قراءة قانونية عملية في مفهوم التظلم بموجب النظام السعودي، مع بيان مسؤوليات القيادة التنفيذية في التعامل مع العقود الحكومية، وتوضيح كيف يسهم الامتثال والشفافية في حماية حقوق المساهمين وتعزيز الحوكمة المؤسسية في قطاع المقاولات.
إجراءات التظلم النظامية
نظرًا لأن المادة (87) من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية تُعدّ الركيزة الأساسية في تنظيم حق التظلم أمام الجهات الحكومية، فقد تم إعداد الجدول التالي لتوضيح مضمونها بطريقة عملية تساعد القيادات التنفيذية في فهم الأثر القانوني والإجرائي لكل فقرة، وكيفية تطبيقها داخل الشركة.
يهدف هذا الجدول إلى تحويل النص النظامي إلى أداة تنفيذية واضحة تُمكّن كل من رئيس مجلس الإدارة، العضو المنتدب، المدير التنفيذي، ومدير المشتريات من متابعة إجراءات التظلم بدقة وفاعلية.
يستعرض الجدول كل فقرة من فقرات المادة (87) ، مع بيان مضمونها القانوني، وتفسيرها العملي بالنسبة لشركات المقاولات، متبوعًا بتوصية تنفيذية تمثل الإجراء الواجب اتباعه داخل الشركة لضمان الامتثال للنظام وحماية المراكز المالية والقانونية.
وبذلك يصبح الجدول بمثابة دليل مرجعي سريع يمكن استخدامه في إدارة العقود الحكومية، لتجنب الأخطاء الإجرائية، وضمان ممارسة الشركة لحقها في التظلم ضمن المدد النظامية المحددة.
| رقم الفقرة | مضمون الفقرة النظامية | المعنى العملي لشركة المقاولات | التوصية التنفيذية للإدارة العليا |
| 1 | لكل متنافس الحق في التظلم أمام الجهة الحكومية من أي قرار اتخذته قبل الترسية، خلال خمسة أيام عمل من تاريخ العلم بالقرار. | يحق للشركة الاعتراض على القرارات السابقة للترسية (مثل الاستبعاد الفني أو المالي) خلال مدة قصيرة جدًا. | إنشاء نظام داخلي لرصد قرارات المنافسات فور صدورها عبر منصة «اعتماد» وتقديم التظلم إلكترونيًا دون تأخير. |
| 2 | يجب على الجهة الحكومية البت في التظلم خلال خمسة عشر يوم عمل من تاريخ وروده إليها. | تلتزم الجهة بالرد رسميًا خلال المدة، وإلا يُعدّ سكوتها رفضًا ضمنيًا. | توثيق تاريخ تقديم التظلم رسميًا ومتابعة الرد عبر البريد أو المنصة لحساب المدة بدقة. |
| 3 | للمتظلم خلال ثلاثين يومًا من تاريخ الرفض (أو انقضاء المدة) أن يتظلم أمام لجنة التظلمات بوزارة المالية. | انتقال التظلم إلى الجهة الأعلى المختصة بالفصل في النزاعات الإدارية بين المتنافسين والجهات الحكومية. | إعداد مذكرة نظامية موقّعة من الإدارة القانونية مدعومة بالمستندات لإثبات المخالفة أمام اللجنة. |
| 4 | تلتزم اللجنة بالبت في التظلم خلال خمسة عشر يوم عمل من تاريخ وروده إليها. | ضمان سرعة البت في الاعتراضات وحماية الشركات من طول الإجراءات. | متابعة اللجنة بشكل دوري وتوثيق أي تأخير كعنصر دعم في حال اللجوء لاحقًا للقضاء الإداري. |
| 5 | لا يجوز للجهة الحكومية استكمال إجراءات التعاقد إلا بعد انتهاء فترات التظلم والبت فيها. | تقديم التظلم يوقف مؤقتًا عملية الترسية أو توقيع العقد. | عند تقديم تظلم، إخطار الجهة رسميًا بوقف أي إجراء لحين الفصل النهائي لتجنب تنفيذ عقد غير نظامي. |
| 6 | بعد رفض التظلم أو انقضاء المدد دون قرار، يحق للجهة الحكومية استكمال التعاقد. | انتهاء دورة التظلم النظامية، وتبقى للشركة فقط خيارات الطعن القضائي أو طلب التعويض. | في حال الضرر، دراسة رفع دعوى أمام ديوان المظالم مستندة إلى ما جرى في مرحلة التظلم. |
حقوق المساهمين ودور التظلم في الحوكمة
في بيئة المشاريع الكبرى، حيث ترتبط شركة المقاولات بعقود حكومية ذات التزامات مالية وتنفيذية ضخمة، لا يكفي الامتثال النظامي وحده، بل يجب أن تمتلك الشركة سياسة واضحة لإدارة التظلمات والمطالبات، تُترجم من خلالها مبادئ الحوكمة إلى إجراءات واقعية تحفظ المال والسمعة معًا.
فـ نظام التظلمات والمطالبات ليس مجرد إجراء قانوني أو إداري، بل هو أداة محورية من أدوات الحوكمة الرشيدة، وخط دفاع مباشر لحماية حقوق المساهمين. فالمساهم، بصفته المالك الحقيقي للشركة، يعتمد على مجلس الإدارة لضمان حماية استثماراته وتنميتها. وهنا، تبرز أهمية وجود سياسة مؤسسية لإدارة هذه التظلمات بفعالية.
إن من أبرز مظاهر الحوكمة الرشيدة في شركات المقاولات أن تكون هناك سياسة داخلية مكتوبة لإدارة التظلمات والمطالبات الحكومية، تعتمدها الإدارة العليا وتشرف على تنفيذها لجنة المراجعة أو لجنة المخاطر التابعة لمجلس الإدارة.
وينبغي أن تتضمن هذه السياسة ما يلي:
- آلية رصد فورية لأي قرار أو إشعار صادر من الجهات الحكومية عبر منصة «اعتماد» أو القنوات الرسمية.
- تحديد مسؤوليات واضحة بين الإدارات القانونية، والمالية، والمشتريات في دراسة القرار وتقديم التوصية خلال مدة لا تتجاوز يومي عمل.
- إنشاء سجل إلكتروني للتظلمات يُوثَّق فيه تاريخ العلم بالقرار، وتاريخ التقديم، وردود الجهات الحكومية، وقرارات لجنة التظلمات.
- رفع تقارير دورية لمجلس الإدارة تتضمن حالة التظلمات والمطالبات المالية وتأثيرها المحتمل على المركز المالي للشركة.
- تقييم سنوي للامتثال النظامي لضمان توافق الشركة مع أحكام نظام المنافسات والمشتريات، وربطه بمؤشرات الأداء التنفيذي والحوكمي.
كيف تحمي هذه السياسة حقوق المساهمين؟
إن تطبيق مثل هذه السياسة يترجم مبادئ الحوكمة إلى حماية ملموسة لحقوق المساهمين، وذلك عبر ثلاثة أبعاد رئيسية:
- حماية أصول الشركة (الحق المالي): عندما ترصد الشركة قرارًا بالاستبعاد أو تُفرض عليها غرامة مالية، فإن التظلم الفعّال والسريع ليس مجرد دفاع عن سمعة الشركة، بل هو دفاع مباشر عن أصول المساهمين. فكل ريال يتم توفيره أو استرداده نتيجة تظلم ناجح، هو تعزيز للمركز المالي للشركة وانعكاس إيجابي على قيمة السهم وتوزيعات الأرباح.
- ضمان الشفافية والمساءلة (الحق الرقابي): إن التقارير الدورية لمجلس الإدارة حول التظلمات تمنح ممثلي المساهمين رؤية واضحة للمخاطر التشغيلية والقانونية التي تواجهها الشركة. هذا يفعّل دورهم الرقابي، ويضمن مساءلة الإدارة التنفيذية عن أي إخفاقات، ويمنع إخفاء المخاطر الجوهرية التي قد تؤثر على استثمارات المساهمين.
- الاستدامة والامتثال (الحق في استمرارية الشركة): إن التقييم السنوي للامتثال يضمن أن الشركة تعمل في نطاق الأنظمة والقوانين. فالشركة التي تتهاون في الامتثال قد تواجه عقوبات تصل إلى إيقاف تصنيفها أو منعها من المشاريع الحكومية، ما يشكّل تهديدًا مباشرًا لاستمراريتها. من هنا، تصبح سياسة التظلم أداة رئيسية لضمان الاستدامة المؤسسية وحماية مستقبل استثمار المساهم.
الخاتمة
إن وجود مثل هذه السياسة لا يحمي الشركة من المخاطر النظامية فحسب، بل يُظهر نضجها المؤسسي وثقة مجلس إدارتها في تطبيق مبادئ الشفافية والمساءلة. وفي جوهرها، تُعد أداة فعّالة لحماية حقوق المساهمين، وقيمة تنسجم تمامًا مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 في تعزيز النزاهة والحوكمة في بيئة الأعمال.
التواصل – مكتب محمد المزين للمحاماة
- العنوان: الرياض، شارع أبي بكر الصديق الفرعي، رقم المبنى 7397، الرقم الفرعي 2257، حي التعاون، الرمز البريدي 12477
- الهاتف: 0590098800
- واتساب العمل: 0590098800
- ✉️ البريد: care@almuzayen-lawfirm.com
- أوقات العمل: من الأحد إلى الخميس | 8 ص – 4 م
مقال ذو صلة
اقرأ أيضًا من إعداد مكتب محمد المزين للمحاماة:

