تأخير صرف المستخلصات الحكومية: تحليل المحامي والمحكم محمد المزين

جدول المحتويات

تأخير صرف المستخلصات الحكومية: تحليل المحامي والمحكم محمد المزين

 

دراسة تحليلية تطبيقية لحكم قضائي صادر عن المحكمة الإدارية بالدمام بتاريخ ٢٨ / ١٠ / ١٤٤١هـ، في الدعوى المقامة من شركة مقاولات ضد الهيئة الملكية بالجبيل الصناعية، ويتناول الحكم ضوابط صرف المستخلص الختامي في عقود التشغيل والصيانة الحكومية.

 

ماذا ستقرأ في هذا المقال

يهدف هذا المقال إلى توضيح الإطار النظامي والقضائي لتأخير صرف المستخلصات الحكومية في عقود التشغيل والصيانة،
وذلك من خلال تحليل تطبيقي لحكم صادر عن المحكمة الإدارية بالدمام بتاريخ ٢٨ / ١٠ / ١٤٤١هـ، في الدعوى المقامة من إحدى شركات المقاولات ضد الهيئة الملكية بالجبيل الصناعية.

يُقدَّم هذا المحتوى ليجيب على أسئلة يطرحها المتعاملون في قطاع المقاولات والإدارة الحكومية،
مثل:

  • ما الأسباب النظامية التي تؤدي إلى تأخير صرف المستخلص الختامي؟
  • كيف ينظر القضاء الإداري السعودي إلى هذه المسائل؟
  • وما الدروس التي يمكن للمقاولين والجهات الإدارية الاستفادة منها مستقبلًا؟

ولتحقيق ذلك، تسير الدراسة في سبعة محاور أساسية تشمل:

  1. عن الباحث والمحامي والمحكم محمد المزين: تعريف بخلفيته العلمية وخبرته العملية في قضايا المقاولات والعقود الحكومية.
  2. منهجية الدراسة: بيان الأسلوب العلمي الذي استُخدم في تحليل الحكم القضائي واستنباط نتائجه.
  3. ملخص الحكم القضائي: عرض منظم لوقائع القضية وطلبات الطرفين ونتيجة الحكم.
  4. التحليل للحكم: شرح حيثيات المحكمة وتفسيرها للنصوص النظامية ذات الصلة.
  5. المبدأ القضائي المستفاد: استخلاص القاعدة التي أرستها المحكمة في شأن صرف المستخلصات الحكومية.
  6. الدروس المستفادة للمقاولين: تقديم إجابات عملية تستند إلى ما استقر عليه القضاء الإداري.
  7. الخاتمة: خلاصة ما انتهت إليه الدراسة وأثر هذه السابقة القضائية في تطوير فقه القضاء الإداري في المملكة.

عن الباحث

أُعِدَّ هذا المقال على يد الباحث والمحامي والمحكم محمد المزين، المتخصص في قضايا المقاولات والنزاعات الإنشائية والعقود الحكومية، والحاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق من جامعة الملك سعود بالرياض عام 2009م.وقد اكتسب خبرةً عمليةً واسعةً من خلال عمله مع عددٍ من الشركات الوطنية الكبرى،من أهمها: مجموعة المجدوعي، وشركة بن زقر، وشركة الاستثمارات التعدينية المتحدة، وشركة الموارد المساهمة المدرجة، وشركة البترول الذهبي للاستثمار.

منهجية الباحث في الدراسة

تعتمد هذه الدراسة على المنهج التحليلي التطبيقي الذي يجمع بين القراءة القضائية للنصوص النظامية وتحليل الوقائع العملية الواردة في الحكم موضوع البحث. وقد اتبع الباحث في إعداد هذه الورقة منهجًا قانونيًا قائمًا على الخطوات الآتية:

  1. تحديد نطاق الدراسة:
    اقتصرت الدراسة على تحليل سابقة قضائية محددة صادرة عن المحكمة الإدارية بالدمام بتاريخ ٢٨ / ١٠ / ١٤٤١هـ،
    والمتعلقة بدعوى إحدى شركات المقاولات ضد الهيئة الملكية بالجبيل الصناعية بشأن تأخير صرف المستخلص الختامي في عقد تشغيل وصيانة حكومي.
  2. جمع المادة النظامية والقضائية:
    اعتمد الباحث على نصوص نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ولائحته التنفيذية،وما ورد في الحكم القضائي من أسانيد نظامية وتسبيب قضائي دون إضافة أي مصادر خارجية أو آراء شخصية.
  3. تحليل حيثيات الحكم:
    قام الباحث بتحليل أسباب الحكم ومنطوقه وفق منهج القراءة القضائية المتعمقة،مع ربطها بالأسس النظامية التي بُني عليها القرار القضائي، دون تجاوز لما ورد في الوثيقة القضائية الرسمية.
  4. استخلاص المبدأ القضائي:
    استخرج الباحث من الحكم القواعد القانونية المطبقة عليه.
  5. صياغة النتائج والدروس المستفادة:
    خُتمت الدراسة ببيان الدروس القانونية والفنية التي يستفيد منها شركات المقاولات وذلك بأسلوب وصفي تحليلي يهدف إلى الإجابة عن الأسئلة العملية الشائعة في قطاع المقاولات الحكومية.

ملخص الحكم القضائي:

بناءً على ما ذُكر في الوقائع أعلاه، وبما أن طلب المدعية: أولاً: إلزام المدعى عليها بأن تدفع ما مجموعه (69,121,710) اثنا عشر مليوناً ومئتان وواحد وثلاثون ألفاً وسبعمائة وعشرة ريالات وتسع وستون هللة. ثانياً: إلزام المدعى عليها بالإفراج عن الضمان النهائي مع تحملها رسوم تجديده من تاريخ 2016/10/21م لحين الانتهاء من الدعوى. ثالثاً: إلزام المدعى عليها بدفع مبلغ قدره (1,000,000) مليون ريال أتعاب محاماة. فإن المحاكم الإدارية مختصة بالنظر في الدعوى وفقاً للفقرة (د) من المادة (13) من نظام ديوان المظالم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/78) وتاريخ 1428/9/19هـ ونصها: “د- الدعاوى المتعلقة بالعقود التي تكون جهة الإدارة طرفاً فيها”، ومختصة الحكم مكانياً وفقاً للمادة الثانية من نظام المرافعات أمام ديوان المظالم الصادر بالمرسوم الملكي ذي الرقم (م/2) وتاريخ 1435/1/22هـ التي نصت على أن: “يكون الاختصاص المكاني للمحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مقر المدعى عليه، أو مقر فرع الجهة المدعى عليها، إن كانت الدعوى متعلقة بذلك الفرع، أو مقر عمل الموظف في الدعوى التأديبية”.

وعن قبول الدعوى وسماعها، وبما أن العقد انتهى في 2016/10/21م الموافق 1438/1/28هـ، وتقدمت المدعية بالدعوى في 1441/5/10هـ: فتكون مقبولة ومشمولة بمدة سماعها المنصوص عليها في الفقرة (6) من المادة الثامنة من نظام المرافعات أمام ديوان المظالم الصادر بالمرسوم الملكي ذي الرقم (م/2) والتاريخ 1435/1/22هـ ونصها: “6- فيما لم يرد به نص خاص، لا تسمع الدعاوى المنصوص عليها في الفقرتين (ج، د) من المادة (الثالثة عشرة) من نظام ديوان المظالم بعد مضي عشر سنوات من تاريخ نشوء الحق المدعى به، ما لم يقر المدعى عليه بالحق أو يتقدم المدعي بعذر تعز له المحكمة المختصة”.

وعن موضوعها، فحقيقة عقود المعاوضات أنها تقوم على مبادلة النفع بين أطرافها بالإيجاب والقبول المتبادل وتحقق للمتعود عليه: لتحصل ثمرة ما عقدام لأجله. والثابت من أوراق الدعوى أن المدعية تعاقدت مع المدعى عليها لغرض خدمات تشغيل وصيانة المرافق الصحية بمدينة الجبيل الصناعية بالعقد رقم (370 – 15 خ م) بمدة تعاقدية (1,827) ألف وثمانمائة وسبعة وعشرون يوماً، تبدأ اعتباراً من التاريخ المحدد في الإشعار بمباشرة العمل المؤرخ في 2011/11/1م، بقيمة إجمالية قدرها (63,659,827) مئة وخمسة وستون مليوناً وثمانمائة وثلاثة وثلاثون ألفاً وستمائة وتسعة وخمسون ريالاً وست وعشرون هللة.

فأما عن طلباتها المفصلة، ففي الطلب الأول صرف قيمة المستخلص الختامي (الدفعة رقم 60) البالغ قدره (3,453,206,48) ثلاثة ملايين وأربعمائة وثلاثة وخمسون ألفاً ومئتان وستة ريالات وثمان وأربعون هللة، فقد نصت المادة السادسة والستون من اللائحة التنفيذية الصادرة بقرار وزير المالية رقم (362) وتاريخ 1428/2/30هـ على ما يلي: “مع مراعاة ما ورد في المادة الأربعين من النظام، يصرف المستخلص الختامي بعد تنفيذ المتعاقد لكافة التزاماته التعاقدية، وتقديمه الشهادات التالية: 1- شهادة من مصلحة الزكاة والدخل، تثبت تسديد الزكاة أو الضريبة المستحقة. 2- شهادة من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بتسجيل المنشأة في المؤسسة وتسديد الحقوق التأمينية. 3- الشهادات التي يتوجب تقديمها بموجب نماذج العقود المعتمدة”. ويظهر من الفقرة الثالثة أنه يشترط لصرف المستخلص الشهادات التي تشترط في نماذج العقود. وبالاطلاع على العقد محل الدعوى فقد نص في شروطه الخاصة على تقديم: “شهادة إخلاء طرف من مرافق الهيئة، نموذج قائمة إقفال عقود التشغيل والصيانة” وذلك بالإضافة لتقديم: “أ- شهادة زكاة نهائية سارية المفعول. ب- شهادة التأمينات الاجتماعية. ج- شهادة تصفية عمالة من مكتب العمل. د- شهادة عدم وجود مطالبات عمالية على المقاول. هـ- شهادة من الخطوط العربية السعودية. و- شهادة تعويض وإخلاء طرف من المقاول (إبراء ذمة) مع تزويد إدارة المالية والميزانية بنسخة من الشهادة. ز- شهادة إكمال العقد (شهادة صيانة) يتم تقديم الشهادة من مدير الإدارة المشرفة على العقد إلى المدير العام المختص لاعتمادها، مع تزويد إدارة المالية والميزانية بنسخة من الشهادة. ح- شهادة إخلاء طرف من مرافق الهيئة الملكية مع تزويد إدارة المالية والميزانية بنسخة من الشهادة”. ولم تقدم المدعية ما يثبت التزامها بتقديم الشهادات المذكورة؛ وعليه تكون غير مستحقة لهذا الطلب.

وعن الطلب الثاني إعادة المبلغ المحسوم بسبب سوء الأداء وقدره (1,070,154) مليون وستمائة وسبعون ألفاً ومئة وأربعة وخمسون ريالاً. والطلب الثالث إعادة المبلغ المحسوم بسبب سوء أداء ناتج عن تأخر في المستحقات المالية بمبلغ قدره (460,000) أربعمائة وستون ألف ريال. والطلب الرابع إعادة مبلغ غرامة التأخير في تنفيذ بند (المواد والمواد القابلة للاستهلاك) بمبلغ قدره (1,595,088,82) مليون وتسعمائة وخمسة وسبعون ألفاً وخمسمائة وثمانية وثمانون ريالاً واثنان وثمانون هللة.

فإن العقد محل الدعوى يكيف على أنه عقد إجارة الأشخاص المتمثل بقيام المدعية توفير العمالة اللازمة للقيام بالتشغيل والصيانة وتقديم الخدمات، والضابط في عمل إجارة الأشخاص إتمام العمل المعقود عليه بما تم العقد لأجله، ولا تستحق الأجرة كاملة إلا بتمام العمل، وينقص منها ما لم يتم الوفاء به، والعقد محل الدعوى عقد خاضع لعقود الخدمات والصيانة والتشغيل لا يستحق المتعاقد أتعابه وأجرته فيها إذا ثبت تقصيره بأداء العمل المهني المنوط به؛ لتعلق ذلك بمستوى الأداء الذي يجب به أن تبينه جهة الإدارة للمتعاقد معه أسلوب فرض الحسم عليه إذا قصر في مستوى أدائه. وقد أخذ نظام المنافسات والمشتريات الحكومية في لائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير المالية رقم (362) وتاريخ 1428/2/30هـ بذلك بأن المناط تقصير العامل في عمله، واشترط في تلك العقود أن تكون الغرامة بما يلائم موضوع العقد، كالنقص في مستوى الأداء ونحو ذلك، فقد جاء في المادة الحادية والثمانين من اللائحة ما نصه: “إذا قصر المتعاقد في عقود الخدمات ذات التشغيل المستمر، كالصيانة والنظافة والتشغيل وتقديم خدمات الإعاشة وعقود النقل، وفي عقود التصنيع، في تنفيذ التزاماته، تحسم عليه غرامة تقدر في العقد، على أن لا يتجاوز إجمالي الغرامة (10\%) من القيمة الإجمالية للعقد”. وجاءت المادة الثانية والثمانون موضحة أسلوب فرض الغرامة في مثل هذا النوع من العقود ووجوب بيانها قبل التعاقد، ونصها: “يجب على الجهات الحكومية عند تقدير الغرامات في العقود المشار إليها في المواد (التاسعة والسبعين، والثمانين، والحادية والثمانين) من هذه اللائحة، النص في شروط المنافسة وفي شروط العقد على أسلوب حسم الغرامة، بحيث تغطي الغرامة كافة جوانب التقصير، أو التأخير في التنفيذ، وتتدرج في التطبيق، مع تناسب الغرامة مع درجة المخالفة سواء كانت بمبلغ مقطوع، أو بنسبة محددة من قيمة البند المقصر في تنفيذه، أو بأسلوب آخر يتلاءم مع طبيعة البند المقصر في تنفيذه”. ويظهر من المادة المذكورة أخذها بمبدأ بيان التقصير الواجب لفرض الحسم عليه، والذي أكدت عليه المادة الثالثة والثمانون من اللائحة، ونصها: “بالإضافة إلى حسم الغرامة في العقود المشار إليها في المواد (التاسعة والسبعين، والثمانين، والحادية والثمانين) من هذه اللائحة، يتم حسم قيمة البنود والخدمات غير المنفذة، والتي نفذت خلافاً لما تم الاتفاق به، مهما بلغت قيمتها، باعتبارها بنوداً غير مؤمنة، وذلك كالنقص في مستوى الأداء المتمثل في سوء التنفيذ، أو النقص في عدد الفنيين، أو العمال، أو المواد، أو المعدات اللازمة للتنفيذ”. ولم تقدم المدعى عليها ما يثبت قيامها الالتزام بما نصت عليه المادة الثانية والثمانون من اللائحة ببيان أسلوب الحسم والغرامة في شروط المنافسة قبل التعاقد، وبيان ذلك بما يتوافق مع الضابط المحصور في المواد أعلاه. مما يعد إخلالاً وتقصيراً بالتقيد بنصوص النظام ولائحته التنفيذية. ولم تقدم المدعى عليها جوانب التقصير التي ارتكبتها المدعية وبيان البند المقصر فيه وإظهار مستوى النقص في أدائه أو سوء تنفيذه للمتعود عليه. فالضابط والمعول عليه في فرض الغرامة أو الحسم بيان التقصير في أداء المعقود عليه بما يجب بيانه أولاً في شروط المنافسة. وتأسيساً على التأصيل أعلاه فإن الطلب الثاني والثالث والرابع يعد مستحقاً للمدعية.

وعن الطلب الخامس إعادة مبلغ الغرامة المفروضة بسبب غياب الموظفين بمبلغ قدره (4,372,710) أربعة ملايين وستمائة واثنان وسبعون ألفاً وسبعمائة وواحد وستون ريالاً وتسع وثلاثون هللة: فقد نصت المادة السابعة والثلاثون من اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية المذكورة أعلاه على ما يلي: “مع مراعاة الأحكام الواردة في المادة (الثانية والعشرين) من النظام، يجب على لجنة فحص العروض قبل التوصية باستبعاد العرض الذي قدم أسعاراً متدنية، مراعاة ما يلي: … ج- الاطلاع على المركز المالي لصاحب العرض للتأكد من مقدرته وإمكاناته المالية…” ويتبين من الفقرة المذكورة أنها لم تتم ترسية العقد محل الدعوى على المدعية إلا بعد أن توفرت فيها الشروط الواجبة ومنها الإمكانات المالية، والإمكانات المالية من بينها توفير العمالة وفق متطلبات بنود العقد، ومباشرة العمل دون انتظار تأييد المدعى عليها باستقدام العمالة، وتعليل المدعية أن المدعى عليها تأخرت في إصدار خطاب تأييد لاستقدام العمالة موضوع العقد، فالتأييد المذكور غير واجب تجاه المدعى عليها، وتعليلها أنها تأخرت في البت في طلبات اعتماد وظائف السعوديين وغير السعوديين، فلم تقدم ما يثبت ذلك؛ وعليه تكون المدعية غير مستحقة لهذا الطلب.

وعن طلبها الإفراج عن الضمان النهائي وتحمل المدعى عليها رسوم تجديده من تاريخ 2016/10/21م لحين الانتهاء من الدعوى: فقد نصت المادة الثالثة والثلاثون من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/58) وتاريخ 1427/9/4هـ على ما يلي: “ج- يجب الاحتفاظ بالضمان النهائي حتى ينفذ المتعاقد التزاماته…” ولم تقدم المدعية ما يثبت اكتمال المحاسبة وتسليمها نهائياً مع المدعى عليها بدليل عدم صرف المستخلص الختامي رقم (60): وعليه تكون غير مستحقة لهذا الطلب.

وعن طلبها إلزام المدعى عليها بدفع مبلغ قدره (1,000,000) مليون ريال أتعاب محاماة: فلم تقدم المدعية عقد المحاماة، فضلاً عما يثبت استلام مبلغها، وتنتهي الدائرة إلى الحكم وفقاً لمنطوقها أدناه.

منطوق الحكم

لذلك حكمت الدائرة:

بإلزام مستشفى الهيئة الملكية بالجبيل الصناعية بأن تدفع لشركة (…) مبلغاً قدره (4,105,742,83) أربعة ملايين ومئة وخمسة آلاف وسبعمائة واثنان وأربعون ريالاً واثنان وثمانون هللة، ورفض ما عدا ذلك في الدعوى رقم (1235) لعام 1441هـ المقامة من شركة (…) ضد مستشفى الهيئة الملكية بالجبيل الصناعية.

والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

محكمة الاستئناف

حكمت المحكمة بتأييد الحكم فيما انتهى إليه من قضاء.

التحليل للحكم

قامت المحكمة الإدارية بتكييف العقد على أنه “عقد إجارة أشخاص” خاضع لعقود الخدمات والتشغيل، وناقشت استحقاق المدعية لطلباتها وفقاً لنصوص نظام المنافسات والمشتريات الحكومية (نظام قديم) ولائحته التنفيذية، حيثيات التحليل:

طلب المدعية الأساس النظامي للرفض (منطوق الحكم) التحليل القضائي
1. صرف قيمة المستخلص الختامي (3,453,206,48 ريال). المادة (66) من اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات، التي تشترط تقديم شهادات معينة، إضافة إلى شروط العقد الخاصة بـ “شهادة إخلاء طرف من مرافق الهيئة” و**”قائمة إقفال عقود التشغيل والصيانة”**. المدعية لم تقدم ما يثبت التزامها بتقديم كافة الشهادات المشروطة نظاماً وتعاقدياً (خاصة إخلاء الطرف)، كما أن عدم إخلاء طرفها من برنامج الخدمات الصحية لوجود فاتورة (90,000) ريال يؤكد عدم اكتمال التزاماتها.
2. الإفراج عن الضمان النهائي المادة (33) من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية التي تنص على: “يجب الاحتفاظ بالضمان النهائي حتى ينفذ المتعاقد التزاماته…”. عدم صرف المستخلص الختامي (الدفعة 60) يمثل دليلاً على عدم اكتمال المحاسبة النهائية وتنفيذ الالتزامات كاملة، وبالتالي لا تستحق المدعية الإفراج عن الضمان.
3. إعادة غرامة غياب الموظفين (4,372,710) ريال. المادة السابعة والثلاثون من اللائحة التنفيذية التي تشير إلى أن ترسية العقد تمت بعد التأكد من مقدرة المدعية وإمكاناتها المالية لتوفير العمالة اللازمة. تكييف العقد على أنه “عقد إجارة أشخاص” يلزم المدعية بتوفير العمالة اللازمة للتشغيل والصيانة بموجب العقد ذاته، دون انتظار تأييد المدعى عليها لاستقدامهم أو البت في طلبات اعتماد الوظائف، وعليه لم تستحق المبلغ.
4. دفع مبلغ أتعاب المحاماة (1,000,000) ريال. القاعدة العامة لـ عبء الإثبات. المدعية لم تقدم عقد المحاماة أو ما يثبت استلام المحامي للمبلغ، مما جعل الطلب مجرداً من الدليل.

 

طلب المدعية الأساس النظامي لقبول الطلب التحليل القضائي
إعادة غرامات سوء الأداء والتأخير (إجمالي (4,105,742) ريال). المادتان (81) و (82) من اللائحة التنفيذية، التي تشترط النص المسبق في شروط المنافسة والعقد على أسلوب حسم الغرامة، بحيث يتناسب مع درجة المخالفة. المدعى عليها لم تقدم ما يثبت التزامها ببيان أسلوب الحسم والغرامة في شروط المنافسة قبل التعاقد، كما أنها لم تقدم جوانب التقصير المرتكب من المدعية أو دليل إظهار مستوى النقص في الأداء.

 

الأساس الجوهري في الحكم: أكدت المحكمة أن الضابط والمعوّل عليه في فرض الغرامة أو الحسم هو بيان التقصير في أداء المعقود عليه، ويجب بيانه أولاً في شروط المنافسة، وإلا عُدّ ذلك إخلالاً وتقصيراً من جهة الإدارة بالتقيد بالنظام ولائحته التنفيذية، مما يجعل الحسم غير مستحق.

ثالثاً: منطوق الحكم (القرار القضائي)

قضت الدائرة بـ:

إلزام مستشفى الهيئة الملكية بالجبيل الصناعية بأن تدفع للشركة مبلغاً قدره (4,105,742,83) ريال.

  • الأساس: هذا المبلغ يمثل المبالغ التي حكمت المحكمة بإعادتها للمدعية (مجموع غرامات سوء الأداء والتأخير، حيث فشلت الهيئة في إثبات شرعية حسمها).
  1. رفض ما عدا ذلك.
  • الأساس: رفضت المحكمة صرف المستخلص الختامي والإفراج عن الضمان وغرامة غياب الموظفين وأتعاب المحاماة، للقصور في الإثبات أو عدم استيفاء الشروط التعاقدية من جانب المدعية.

حكم الاستئناف : حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم فيما انتهى إليه من قضاء.

بالتأكيد، لنكمل الدراسة التحليلية. المحور الخامس هو استخلاص المبدأ القضائي الذي أرسته المحكمة في شأن صرف المستخلصات الحكومية، والذي يوضح الأساس الذي بني عليه الحكم.

 المبدأ القضائي المستفاد من الحكم

أرست المحكمة الإدارية في هذا الحكم قاعدتين قضائيتين أساسيتين تتعلقان بصرف المستخلصات في عقود الخدمات والصيانة الحكومية، وهي:

1. المبدأ المتعلق بشرعية الغرامات واستردادها

أكدت المحكمة على مبدأ تقييد سلطة الجهة الإدارية في فرض الحسميات والغرامات، وربطت استحقاقها بمقدمات نظامية وإجرائية تقع مسؤوليتها على الجهة الإدارية:

“لا تستحق الجهة الإدارية حسم الغرامات المفروضة على المقاولين في عقود الخدمات ذات التشغيل المستمر (كالصيانة والنظافة) إذا أخلت بمتطلبات اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية، والمتمثلة في:

  • البيان المسبق: عدم النص في شروط المنافسة والعقد على أسلوب حسم الغرامة وكيفية تدرجها وتناسبها مع درجة المخالفة، بما يتوافق مع المادة (82) من اللائحة التنفيذية.
  • الإثبات اللاحق: عدم تقديم الجهة الإدارية ما يثبت واقعة التقصير التي ارتكبها المقاول، أو عدم بيان البند المقصر فيه، أو إظهار مستوى النقص في أدائه، بما يخالف المادة (83) من اللائحة التنفيذية.

تأسيساً على ذلك، يصبح الضابط والمعول عليه في فرض الغرامة أو الحسم هو بيان التقصير في أداء المعقود عليه بما يجب بيانه أولاً في شروط المنافسة.

2. المبدأ المتعلق بشروط صرف المستخلص الختامي

أكدت المحكمة على أن صرف المستخلص الختامي لا يتم بمجرد انتهاء المدة التعاقدية، بل هو مرتبط بالوفاء بكافة الالتزامات الإجرائية والمالية والتعاقدية:

“صرف المستخلص الختامي (الدفعة الأخيرة) ليس حقاً مطلقاً للمتعاقد بمجرد انتهاء العقد، بل هو مشروط بتقديم كافة الشهادات والوثائق المطلوبة نظاماً وتعاقدياً، بما في ذلك شرط ‘إخلاء الطرف وإبراء الذمة’، إذا كانت هذه الإجراءات جزءاً من الشروط الخاصة للعقد أو جزءاً من الإجراءات الإدارية المعتمدة للجهة الحكومية لإقفال العقود وفقاً للفقرة الثالثة من المادة (66) من اللائحة التنفيذية.”

تأسيساً على ذلك، يعد عدم تقديم المقاول ما يثبت استيفاء كافة متطلبات الإقفال المالي والتعاقدي، سبباً كافياً لرفض طلبه بصرف المستخلص الختامي.

الدروس المستفادة من الحكم لشركات المقاولات

يقدم هذا الحكم الإداري خارطة طريق لشركات المقاولات العاملة في عقود الخدمات والصيانة الحكومية، حيث يوفر إجابات عملية تستند إلى ما استقر عليه القضاء الإداري في تطبيق نظام المنافسات والمشتريات الحكومية.

1. إثبات عدم شرعية القرار الإداري بفرض الغرامة (الأساس الجوهري)

يجب على المقاولين التركيز على إثبات عدم استيفاء القرار الإداري لشرعيته الشكلية والموضوعية من خلال إلقاء عبء الإثبات على الجهة الإدارية:

  • القاعدة المستخلصة لإلغاء الحسميات: أكد الحكم أن الجهة الإدارية هي التي تتحمل عبء إثبات أنها قننت الغرامة مسبقاً في شروط العقد، وأنها أثبتت التقصير فعلياً. إذا فشلت الجهة الإدارية في تقديم هذا الدليل، تصبح الغرامات المحسومة مستحقة الإعادة للمقاول.
  • الإجراءات اللازمة للمقاول: على المقاول أن يطلب من الجهة الإدارية فوراً تزويده بما يثبت التزامها بـ:
  • النص في شروط المنافسة والعقد على أسلوب حسم الغرامة وكيفية تدرجها، تطبيقاً لـ المادة (82) من اللائحة التنفيذية.
  • تقديم الوثائق التي تبين “جوانب التقصير” و”البند المقصر فيه” و”مستوى النقص في أدائه” قبل إصدار الحسم الفعلي، تطبيقاً لـ المادة (83) من اللائحة التنفيذية.

2. إغلاق العقود واستحقاق المستخلص الختامي

يجب على المقاول أن يعي أن صرف الدفعة الختامية هو إجراء معقد يتطلب استيفاء شروط إجرائية ثابتة:

  • أولوية الشروط التعاقدية والإجرائية: لا يُصرف المستخلص الختامي إلا بعد تنفيذ الالتزامات وتقديم شهادات محددة.
  • توثيق إخلاء الطرف: يجب على المقاول توثيق إخلاء طرفه من كافة مرافق الجهة الإدارية. إن وجود أي مطالبات مالية معلقة (مثل فاتورة علاج الموظفين البالغة 90,000 ريال) يُعد سبباً كافياً لرفض طلب الصرف.

3. مسؤولية توفير العمالة (عقود إجارة الأشخاص)

يتحمل المقاول المسؤولية الكاملة عن التزاماته الأساسية دون التعلل بإجراءات الجهة الإدارية:

  • المقدرة سابقة على التعاقد: يؤكد الحكم أن المقاول مُلزم بـ “توفير العمالة وفق متطلبات بنود العقد” دون انتظار تأييد الجهة الإدارية لاستقدام العمالة.
  • مسؤولية ذاتية: غرامات غياب الموظفين تم رفض طلب استردادها لأنه لم يقدم ما يثبت أن تأخر الجهة الإدارية كان السبب المباشر.

4. متطلبات المطالبة بالأتعاب القانونية

لتجنب رفض طلب أتعاب المحاماة، يجب على المقاول إثبات المصروفات:

  • توثيق العقد والسداد: يجب على المقاول تقديم عقد المحاماة الرسمي وما يثبت سداد المبلغ المطالب به فعلياً، وإلا رُفض الطلب لعدم اكتمال الدليل.

الخاتمة

يُعد الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالدمام سابقة قضائية فارقة تعزز من الرقابة القضائية على القرار الإداري في مجال العقود الحكومية. وقد أسست الدائرة مبدأً واضحاً يحد من الإخلال بالحقوق التعاقدية للمقاولين، مؤكدة على أن الشرعية الإجرائية تسبق الشرعية الموضوعية في فرض الغرامات.

إن إلزام الجهة الإدارية بإعادة مبلغ (4,105,742,83) ريال للمقاول، وفي المقابل رفض صرف المستخلص الختامي بسبب عدم استيفاء الشروط الإجرائية، يعكس توازن القضاء الإداري بين حماية المال العام من التقصير وحماية المقاول من التعسف الإداري، مما يساهم في تطوير فقه القضاء الإداري في المملكة.

التواصل – مكتب محمد المزين للمحاماة

  • العنوان: الرياض، شارع أبي بكر الصديق الفرعي، رقم المبنى 7397، الرقم الفرعي 2257، حي التعاون، الرمز البريدي 12477
  • الهاتف: 0590098800
  • واتساب العمل: 0590098800
  • ✉️ البريد: care@almuzayen-lawfirm.com
  • أوقات العمل: من الأحد إلى الخميس | 8 ص – 4 م

مقال ذو صلة

اقرأ أيضًا من إعداد مكتب محمد المزين للمحاماة:

محامي مقاولات: سابقة قضائية لتخفيض الأتعاب عند ضعف الجودة.