تعيين رئيس هيئة التحكيم: ماذا لو تعذر الاتفاق عليه؟

يُعد تعيين رئيس هيئة التحكيم نقطة البداية العملية لأي مسار تحكيمي ناجح، لأنه يضمن اكتمال تشكيل الهيئة والقدرة على إصدار الأوامر الإجرائية، وتحديد المواعيد، وإدارة الجلسات، وصولًا إلى الحكم. وفي قطاعات المقاولات والصناعة تحديدًا، قد يتحول تعذر الاتفاق على رئيس هيئة التحكيم إلى مخاطرة حقيقية تمس الجدول الزمني للمشروع، وتؤثر في التدفقات النقدية، وتربك التقارير المالية، وتؤخر قرارات مجلس الإدارة المتعلقة بالمخصصات والاحتياطيات والتسويات. لذلك لا يُنظر إلى التعثر في تشكيل الهيئة باعتباره مشكلة شكلية، بل كملف حوكمة وإدارة مخاطر قانونية يستدعي حسمًا سريعًا ومتزنًا وفق النظام السعودي.

فقرة “ماذا ستقرأ في هذا المقال؟”

  • ما الأساس النظامي لتدخل المحكمة عند تعذر الاتفاق على رئيس هيئة التحكيم.

  • كيف تُدار هذه الحالة عمليًا داخل شركات المقاولات والصناعة من منظور مجلس الإدارة.

  • عرض موجز لسابقة قضائية انتهت إلى تعيين رئيس هيئة التحكيم وتحديد أتعابه.

  • ما القاعدة القضائية المستفادة؟ وكيف تنعكس على صياغة العقود وسياسات إدارة النزاعات.

  • دور الاستشارات القانونية في دعم مجلس الإدارة لاتخاذ القرار النظامي المناسب عند تعذر الاتفاق على رئيس هيئة التحكيم.

نبذة عن الكاتب
المحامي والمحكَّم محمد المزيّن، بخبرة تمتد لأكثر من خمسة عشر عامًا، متخصص في قضايا المقاولات والنزاعات الإنشائية والعقود الحكومية وعقود الامتياز التجاري. حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق من جامعة الملك سعود بالرياض عام 2009م، ويمتلك خبرة عملية واسعة من خلال عمله مع عدد من الشركات الوطنية الكبرى، منها مجموعة المجدوعي، وشركة بن زقر، وشركة الاستثمارات التعدينية المتحدة، وشركة الموارد المساهمة المدرجة، وشركة البترول الذهبي للاستثمار.

المحور الأول
س: متى يصبح تعذر الاتفاق على رئيس هيئة التحكيم مشكلة حوكمة لمجلس الإدارة وليس مجرد إجراء قانوني؟
ج: يصبح التعذر مشكلة حوكمة عندما ينعكس مباشرة على مصالح الشركة التشغيلية والمالية، وهو ما يظهر غالبًا في شركات المقاولات والصناعة للأسباب التالية:

  1. ارتباط النزاع بمستحقات كبيرة أو مطالبات تعويض أو أوامر تغيير تؤثر على السيولة.

  2. وجود التزامات زمنية في المشروع، وتأخر النزاع يعني تعثر قرارات التنفيذ أو الإنهاء أو الاستبدال.

  3. تأثير النزاع على الإفصاح المالي والمخصصات والاحتياطيات، وهو ملف يهم مجلس الإدارة ولجانه (المراجعة والمخاطر).

  4. احتمال استخدام الطرف الآخر لتعطيل تشكيل الهيئة كوسيلة ضغط تفاوضي.
    ومن ثم، فإن دور مجلس الإدارة لا يقتصر على “معرفة وجود نزاع”، بل يمتد إلى ضمان أن الشركة تملك آلية سريعة لتفعيل شرط التحكيم وعدم السماح بتجميد المسار بسبب خلاف على تعيين الرئيس.

المحور الثاني
س: ما الإطار النظامي في السعودية عند تعذر الاتفاق على رئيس هيئة التحكيم؟
ج: الأصل في التحكيم أن الأطراف أحرار في اختيار عدد المحكمين وآلية تعيينهم. وعندما يتفق الأطراف على هيئة من ثلاثة محكمين، يعين كل طرف محكمًا، ثم يتفق المحكمان على تعيين المحكم الثالث الذي يكون رئيس هيئة التحكيم ما لم يتفق على خلاف ذلك.
وعند تعذر الاتفاق على المحكم الثالث (رئيس هيئة التحكيم) خلال المدة المقررة نظامًا أو المتفق عليها في شرط التحكيم، فإن النظام السعودي يفتح باب تدخل المحكمة المختصة لتعيينه؛ وذلك منعًا لتعطيل التحكيم وإفراغ شرط التحكيم من مضمونه.
المغزى النظامي هنا واضح: التحكيم وسيلة فصل بديلة لكنها محمية من التعطيل، والمحكمة لا تفصل في موضوع النزاع عند تعيين الرئيس، وإنما تقوم بدور “مساند” لاستكمال تشكيل الهيئة حتى يبدأ الفصل في أصل الحقوق والالتزامات.

الاستشارة القانونية 
للحصول على استشارة قانونية متخصصة بالتحكيم في نزاعات المقاولات والصناعة المتعلقة بتعذر الاتفاق على رئيس هيئة التحكيم، يمكن التواصل مع مكتب المحامي محمد المزيّن؛ لدراسة شرط التحكيم، وتقييم الخيارات النظامية المتاحة، ومساندة مجلس الإدارة في اتخاذ القرار القانوني المناسب بما يراعي الوقت والتكلفة والمخاطر.

المحور الثالث
س: ماذا تقول السابقة القضائية التجارية عن تدخل المحكمة لتعيين رئيس هيئة التحكيم؟
ج: تُظهر سابقة قضائية تجارية أن المحكمة المختصة قد تتدخل لتعيين رئيس هيئة التحكيم متى ثبت تعذر اتفاق المحكمين المعيّنين من الطرفين على اختيار الرئيس. وفي هذه السابقة انتهت الدائرة إلى تعيين رئيس هيئة التحكيم واعتماد أتعابه ضمن قرار التعيين.
بيانات السابقة كما وردت في النص المتداول:

  • رقم القضية/الحكم: 4430188556 لعام 1444هـ

  • التاريخ: 22 شعبان 1444هـ
    وقد ورد في النص عرض لمجريات الطلب، من أبرزها:

  • تقديم طلب تعيين رئيس هيئة التحكيم بسبب عدم اتفاق المحكمين على اختيار الرئيس.

  • إثارة دفع بعدم الاختصاص المكاني من أحد الأطراف.

  • إقرار بعدم حصول الاتفاق على الرئيس، ثم تفويض الدائرة في اختيار رئيس هيئة التحكيم.

  • ورود عرض من مرشح للرئاسة يتضمن عدم وجود علاقة بالأطراف، وتحديد أتعابه بمبلغ 400,000 ريال.
    وانتهت الدائرة إلى تعيين المرشح رئيسًا لهيئة التحكيم واعتماد أتعابه بالمبلغ المشار إليه.

المحور الرابع
س: ما القاعدة القضائية المستفادة؟ وكيف تنعكس عمليًا على شركات المقاولات والصناعة؟
ج: القاعدة المستفادة هي: إذا تعذر الاتفاق على رئيس هيئة التحكيم (المحكم الثالث) بين محكمي الطرفين، فإن المحكمة المختصة تتدخل لتعيينه وفق نظام التحكيم، بما يمنع تعطيل إجراءات التحكيم.
وأثر ذلك عمليًا على شركات المقاولات والصناعة يظهر في نقاط محددة تهم مجلس الإدارة:

  1. منع التعطيل المقصود: لا يملك أي طرف “حق الفيتو” لتعطيل التحكيم بمجرد إطالة الخلاف على الرئيس.

  2. تقدير التكلفة مبكرًا: اعتماد أتعاب رئيس هيئة التحكيم ضمن قرار التعيين يفرض على مجلس الإدارة أن يضع تصورًا مسبقًا لميزانية النزاع، بدل الاكتفاء بتقديرات عامة.

  3. تقوية شرط التحكيم في العقود المستقبلية: الخبرة العملية تُظهر أن صلابة شرط التحكيم تقلل كثيرًا من احتمالات التعثر، خصوصًا إذا تضمن آلية واضحة للتعيين والبدائل عند التعذر.

  4. إدارة التقارير والحوكمة: كل تأخير في تشكيل الهيئة يعني تأخيرًا في التقييم القانوني والمالي للنزاع، وقد ينعكس على الإفصاح والمخصصات وسياسة التسوية.

المحور الخامس
س: كيف يصوغ مجلس الإدارة “سياسة داخلية” تقلل احتمال تعذر الاتفاق على رئيس هيئة التحكيم؟
ج: من الناحية العملية، لا يكفي الاعتماد على بند تحكيم نمطي، بل الأفضل اعتماد سياسة تعاقدية وإجرائية داخلية، مثل:

  • اعتماد نماذج شروط تحكيم معتمدة من الإدارة القانونية ومراجَعة دوريًا.

  • النص صراحة على آلية تعيين الرئيس عند التعذر (مثل آلية ترشيح قائمة قصيرة، أو إحالة التعيين لجهة مختصة أو المحكمة وفق النظام).

  • تحديد مقر التحكيم بوضوح؛ لأن تحديد المقر ينعكس على تحديد المحكمة المختصة بالمسائل المساندة.

  • ضبط صلاحيات التفاوض والتسوية: حتى لا يطول الخلاف الإجرائي ويصبح النزاع بلا “مالك قرار”.

  • إلزام الإدارات الفنية والمالية بتغذية الإدارة القانونية بالوثائق خلال مدد محددة؛ لأن التأخر الوثائقي كثيرًا ما يرافق التأخر الإجرائي.

دور مكتب محمد المزيّن للمحاماة 
في هذا النوع من الحالات، يتمثل دور مكتب المحامي محمد المزيّن في تقديم الاستشارات القانونية المتخصصة لمجالس إدارات شركات المقاولات والصناعة عند تعذر الاتفاق على رئيس هيئة التحكيم، بما يساعد على فهم الموقف النظامي، وتقدير البدائل المتاحة، واتخاذ القرار القانوني المناسب في التوقيت الصحيح، مع مراعاة أثر ذلك على مدة النزاع وتكلفته والمركز التعاقدي للشركة، دون الدخول في قرارات متسرعة قد تزيد التعقيد أو تُفقد الشركة أفضلية إجرائية.

فقرة الأسئلة الشائعة (FAQ):

  1. ما هو تعيين رئيس هيئة التحكيم؟
    هو اختيار المحكم الثالث في الهيئة الثلاثية ليتولى رئاستها وإدارة إجراءات التحكيم وضمان انتظامها حتى صدور الحكم.

  2. متى تتدخل المحكمة لتعيين رئيس هيئة التحكيم؟
    عند تعذر اتفاق المحكمين على تعيينه خلال المدة النظامية أو خلال المدة المتفق عليها في شرط التحكيم.

  3. ما الفرق بين مقر التحكيم ومكان التحكيم؟
    مقر التحكيم هو الإطار القانوني الذي يحدد المحكمة المختصة والإجراءات، أما مكان التحكيم فهو موقع انعقاد الجلسات، وقد يختلفان بحسب اتفاق الأطراف.

  4. هل تعذر تعيين رئيس هيئة التحكيم يبطل شرط التحكيم؟
    لا، التعذر لا يبطل شرط التحكيم، بل يعالَج بتدخل المحكمة المختصة لاستكمال تشكيل الهيئة.

  5. هل يمكن أن تُحدد أتعاب رئيس هيئة التحكيم ضمن قرار التعيين؟
    قد يحصل ذلك بحسب ملابسات الطلب وما يقدم للمحكمة من عروض، لذا من الأفضل أن تتعامل الشركة مع ملف الأتعاب بوصفه جزءًا من إدارة المخاطر والتكلفة.

الخاتمة 
يتضح أن تعذر الاتفاق على رئيس هيئة التحكيم ليس نهاية مسار التحكيم ولا سببًا لتعطيله، لأن النظام السعودي يتيح تدخل المحكمة المختصة لاستكمال تشكيل الهيئة ومنع المماطلة. وبالنسبة لمجالس إدارات شركات المقاولات والصناعة، فإن العبرة ليست فقط بمعرفة هذا الحل النظامي، بل بإدارة الملف من زاوية الحوكمة: صياغة شرط تحكيم محكم، وتقدير التكلفة، وحسم القرار في التوقيت المناسب، وطلب الاستشارة القانونية المتخصصة قبل أن يتحول التعثر الإجرائي إلى تكلفة مشروع أو أزمة سيولة أو نزاع ممتد.

فقرة المقال ذو الصلة:
مقال بعنوان: اختيار المحكّم في منازعات الصناعة والمقاولات للشركات المساهمة
مقال بعنوان: التحكيم في قضايا المقاولات | المستخلص الجاري كدليل إثبات في النزاعات الإنشائية

ملخّص 
يتناول هذا المقال حالة تعذر الاتفاق على رئيس هيئة التحكيم في النظام السعودي، ويوضح أن المحكمة المختصة تتدخل لتعيينه لضمان عدم تعطيل التحكيم. كما يبين المقال الأثر العملي لهذه المسألة على مجالس إدارات شركات المقاولات والصناعة، ودور الاستشارات القانونية في دعم اتخاذ القرار المناسب.