المقدمة التمهيدية
ماذا ستقرأ في هذا المقال؟
- الإطار النظامي لدعوى بطلان حكم التحكيم في النظام السعودي وحدود رقابة المحاكم.
- عرض موجز لوقائع السابقة القضائية المتعلقة بأتعاب المحاماة ونطاق شرط التحكيم.
- بيان ما قررته المحكمة والقاعدة القضائية المستفادة من رفض دعوى البطلان.
- مناقشة تطبيقية لأثر هذا الحكم على عقود الشركات والتحكيم التجاري.
- نص الحكم وبياناته كما وردت في الملخص، مع نتائج عملية وتوصيات.
نبذة عن الكاتب
المحامي والمحكَّم محمد المزيّن، بخبرة تمتد لأكثر من خمسة عشر عامًا، متخصص في قضايا المقاولات والنزاعات الإنشائية والعقود الحكومية وعقود الامتياز التجاري. حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق من جامعة الملك سعود بالرياض عام 2009م، ويمتلك خبرة عملية واسعة من خلال عمله مع عدد من الشركات الوطنية الكبرى، منها مجموعة المجدوعي، وشركة بن زقر، وشركة الاستثمارات التعدينية المتحدة، وشركة الموارد المساهمة المدرجة، وشركة البترول الذهبي للاستثمار.
السؤال الأول: ما الإطار النظامي لدعوى بطلان حكم التحكيم في السعودية؟
يحكم دعوى بطلان حكم التحكيم في المملكة العربية السعودية نظام التحكيم السعودي ولا سيما المادة (50) منه، التي حدّدت على سبيل الحصر الحالات التي يجوز فيها طلب إبطال حكم التحكيم، مثل: عدم وجود اتفاق تحكيم صحيح، عدم تمكين أحد الأطراف من عرض دعواه، مخالفة تشكيل هيئة التحكيم لما هو متفق عليه، أو فصل الحكم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم… إلى غير ذلك من الحالات المحددة نظامًا.
وتؤكد الفقرة (4) من المادة (50) على قيد مهم، هو أن المحكمة المختصة عند نظر دعوى البطلان لا تملك فحص وقائع وموضوع النزاع، بل يقتصر دورها على التحقق من توافر إحدى حالات البطلان النظامية، دون أن تحل محل هيئة التحكيم في تقديرها للوقائع أو في تفسيرها لشروط العقد أو توزيعها للمصاريف وأتعاب المحاماة.
كما نصت الفقرة (و) من المادة (50) على إحدى حالات البطلان، وهي إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم، مع تقرير قاعدة مهمة مفادها أنه إذا أمكن فصل الأجزاء المتعلقة بالمسائل غير الخاضعة للتحكيم عن الأجزاء الأخرى، فإن البطلان يقع فقط على الجزء غير الخاضع للتحكيم.
وبناءً على ذلك، فإن نطاق شرط التحكيم وتفسيره، ومدى امتداد أثره للطلبات التبعية كأتعاب المحاماة، يعد من العناصر الجوهرية في تقييم جدوى رفع دعوى البطلان، خاصة بالنسبة للشركات التي تعتمد على التحكيم في عقودها التجارية.
السؤال الثاني: ما وقائع السابقة القضائية محل التحليل؟ وما عناصرها الرئيسة؟
تتلخص وقائع هذه السابقة في أن المدعي أقام دعوى بطلان حكم تحكيم أمام المحكمة المختصة، طالبًا الحكم بإبطال حكم التحكيم الصادر ضده، مستندًا إلى أن الحكم قد خالف المادة (50) فقرة (و) من نظام التحكيم السعودي. وادعى المدعي أن هيئة التحكيم فصلت في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم، وتحديدًا: الفصل في طلب المحتكمة (المدعى عليها في دعوى البطلان) بالتعويض عن أتعاب المحاماة.
وبنى المدعي دعواه على أن أتعاب المحاماة ليست من المسائل الداخلة في نطاق شرط التحكيم المبرم بين الطرفين، وبالتالي فإن تناول حكم التحكيم لها يعد خروجًا عن حدود الاختصاص، مما يندرج – في نظره – ضمن حالة البطلان المنصوص عليها في المادة (50) فقرة (و).
في المقابل، ردت المدعى عليها (المحتكمة في التحكيم) بأن ما ذكره المدعي غير صحيح، وقررت أن استحقاق التعويض عن أتعاب المحاماة يُعد ضررًا ناشئًا عن النزاع المتعلق بالعقد الذي يحكم العلاقة بين الطرفين. وأشارت إلى نص شرط التحكيم الوارد في العقد، والذي جاء فيه:
يخضع هذا العقد ويفسر وفقا لقوانين وأنظمة المملكة العربية السعودية، تحال كافة النزاعات التي تنشأ بين الطرفين بموجب هذا العقد أو فيما يتعلق بها للتحكيم في جدة والذي سوف يتم وفقا لنظام التحكيم السعودي.
وأكدت المدعى عليها أن شرط التحكيم صيغ بصياغة واسعة تشمل “كافة النزاعات” التي تنشأ “بموجب العقد أو فيما يتعلق به”، دون استثناء لأي نوع من النزاعات، بما في ذلك المطالبة بالتعويض عن أتعاب المحاماة الناشئة بسبب هذا النزاع.
وبعد اطلاع المحكمة على حكم التحكيم المطلوب إبطاله، قررت الدائرة أن الدعوى مقبولة شكلًا، ثم انتقلت لموضوع دعوى البطلان، لتتحقق مما إذا كان ما أورده المدعي يندرج ضمن الحالات المنصوص عليها في المادة (50) فقرة (1) من نظام التحكيم السعودي أم لا، وانتهت إلى أن سبب البطلان المدعى به لا يدخل في هذه الحالات.
الاستشارة القانونية
للحصول على استشارة قانونية متخصصة حول دعوى بطلان حكم التحكيم وأثرها على منازعات العقود التجارية وأتعاب المحاماة، أو لمراجعة موقفكم النظامي قبل الإقدام على رفع دعوى بطلان أو الدخول في تحكيم جديد، يمكنكم التواصل مع مكتب المحكَّم والمحامي محمد المزيّن؛ لدراسة الحالة واقتراح المسار الأنسب في ضوء الأنظمة السعودية والاتجاهات القضائية ذات الصلة.
السؤال الثالث: ماذا قررت المحكمة؟ وما القاعدة القضائية المستفادة؟
بعد دراسة حكم التحكيم ودفوع الطرفين، خلصت المحكمة التجارية (محكمة الاستئناف) إلى ما يلي:
- قبول دعوى البطلان شكلاً لتوافر متطلبات القبول من حيث المدة والإجراءات.
- من حيث الموضوع، رأت المحكمة أن ما أورده المدعي في لائحة دعواه لا يندرج ضمن الحالات المحددة نظامًا في المادة (50) فقرة (1) من نظام التحكيم السعودي، والتي تحصر أسباب طلب البطلان.
- قررت المحكمة أن أتعاب المحاماة تُعد من الطلبات المكملة للطلب الأصلي ولا تنفك عنه، فهي تابعة للنزاع الأصلي الناشئ عن العقد، وليست طلبًا مستقلًّا خارجًا عن نطاق شرط التحكيم.
- استندت المحكمة كذلك إلى القيد الوارد في المادة (50) فقرة (4)، والذي يمنع المحكمة عند نظر دعوى البطلان من فحص وقائع وموضوع النزاع، بما يعني أن تقدير هيئة التحكيم لأتعاب المحاماة أو المصروفات لا يدخل في نطاق رقابة المحكمة إلا إذا توافر سبب من أسباب البطلان المحددة نظامًا.
- وبناءً على ما سبق، انتهت المحكمة إلى أن طلب مدعي البطلان لا يستند إلى ما هو مقرر شرعًا ونظامًا، ومن ثم قضت برفض دعوى البطلان.
القاعدة القضائية المستفادة من الحكم
المقدمة التمهيدية
أولاً: تُعد أتعاب المحاماة والمطالبات المرتبطة بها جزءًا من الطلبات المكملة للنزاع الأصلي، وتدخل في نطاق شرط التحكيم متى كان الشرط صيغ بصيغة عامة تشمل جميع النزاعات الناشئة عن العقد أو المتعلقة به.
ثانيًا: لا يكفي الادعاء بأن حكم التحكيم فصل في أتعاب المحاماة لإبطال الحكم بحجة تجاوز اختصاصه؛ ما لم يثبت أن هذه المطالبة تخرج صراحة عن نطاق اتفاق التحكيم.
ثالثًا: دعوى بطلان حكم التحكيم دعوى استثنائية محصورة في الأسباب المحددة في المادة (50) من نظام التحكيم، ولا يجوز للمحكمة من خلالها إعادة مناقشة موضوع النزاع أو تقدير أتعاب المحاماة أو المصروفات التي فصلت فيها هيئة التحكيم.
السؤال الرابع: ما دلالات هذا الحكم لعملاء المكتب؟ وكيف يمكن الاستفادة منه عمليًّا؟
لهذه السابقة القضائية دلالات عملية مهمة بالنسبة للشركات والمستثمرين الذين يعتمدون التحكيم كوسيلة أساسية لحسم منازعاتهم، من أهمها:
- صعوبة إبطال حكم التحكيم لأسباب شكلية ضعيفة
توضح هذه السابقة أن القضاء السعودي يتجه إلى حماية أحكام التحكيم من دعاوى البطلان التي تستند إلى أسباب غير منطبقة على الحالات الحصرية التي نص عليها النظام، خاصة حين يحاول أحد الأطراف استخدام دعوى البطلان كوسيلة لفتح النزاع من جديد. - اعتبار أتعاب المحاماة ضمن نطاق شرط التحكيم في العقود التجارية
عندما يصاغ شرط التحكيم بصياغة واسعة تشمل “كافة النزاعات” الناشئة عن العقد أو المتعلقة به، فإن المطالبة بأتعاب المحاماة الناتجة عن هذا النزاع تُعد داخلة في نطاق هذا الشرط، ولا تُعد “مسألة غير مشمولة باتفاق التحكيم” يمكن التمسك بها كسبب للبطلان. - أهمية صياغة شروط التحكيم بدقة في عقود الشركات
يوصى الشركات، سواء السعودية أو الخليجية العاملة في السوق السعودي، بأن تحرص على صياغة شروط التحكيم بشكل واضح، يتضمن – عند الحاجة – تنظيمًا خاصًا لمسألة أتعاب المحاماة والمصاريف، إما بترك الأمر لهيئة التحكيم وفق نظام التحكيم، أو بالنص على قواعد محددة لتوزيع التكاليف. - إدارة التوقعات قبل اللجوء إلى دعوى البطلان
قبل أن تقدم الشركة على رفع دعوى بطلان حكم تحكيم، ينبغي تقييم مدى توافر أحد الأسباب النظامية المنصوص عليها في المادة (50)، وإلا فقد تتعرض لتحمل تكاليف إضافية دون جدوى عملية، مع تأخير تنفيذ حكم التحكيم.
خدمات مكتب المحكَّم والمحامي محمد المزيّن في هذا المجال
- صياغة ومراجعة شروط واتفاقات التحكيم في العقود التجارية، وعقود المقاولات، وعقود الامتياز التجاري، والعقود الحكومية، بما يضمن وضوح نطاق التحكيم، وآلية توزيع التكاليف وأتعاب المحاماة.
- تقديم الاستشارات القانونية بشأن جدوى رفع دعوى بطلان حكم التحكيم، وتقييم مدى انطباق حالات البطلان النظامية على الواقعة محل النزاع.
- تمثيل الشركات أمام المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف في دعاوى بطلان حكم التحكيم أو في الدعاوى المتعلقة بتنفيذ أو عدم تنفيذ هذه الأحكام.
- إدارة التفاوض على التسويات في المنازعات الناشئة عن تنفيذ أحكام التحكيم، بما يقلل من المخاطر القانونية والمالية على أطراف العقد.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
1. هل يُعد طلب أتعاب المحاماة خارج نطاق شرط التحكيم؟
الأصل أن أتعاب المحاماة تعد من الطلبات التبعية المرتبطة بالنزاع الأصلي. فإذا صيغ شرط التحكيم بصيغة عامة تشمل كافة النزاعات الناشئة عن العقد أو المتعلقة به، فإن أتعاب المحاماة تدخل في نطاقه ما لم يُستثنَ ذلك صراحة في العقد.
2. هل يمكن للمحكمة إعادة تقدير أتعاب المحاماة المقضي بها في حكم التحكيم من خلال دعوى البطلان؟
لا، فالمحكمة في دعوى البطلان لا تفحص موضوع النزاع ولا تعيد تقدير ما فصلت فيه هيئة التحكيم من أتعاب أو مصروفات، وإنما تتحقق فقط من توافر إحدى حالات البطلان المنصوص عليها في المادة (50) من نظام التحكيم.
3. متى يكون رفع دعوى بطلان حكم التحكيم خيارًا مناسبًا للشركة؟
يكون ذلك مناسبًا عندما تتوافر مؤشرات جدية على وجود عيب جوهري من العيوب المحددة نظامًا، مثل: انعدام اتفاق التحكيم، أو عدم تمكين أحد الأطراف من الدفاع، أو تجاوز صريح لاختصاص الهيئة. أما الخلاف حول تقدير المبلغ المحكوم به أو أتعاب المحاماة فغالبًا لا يصلح سببًا للبطلان.
4. ما المخاطر العملية لرفع دعوى بطلان ضعيفة الأساس؟
من المخاطر المحتملة: تحمل تكاليف قضائية إضافية، وإطالة أمد النزاع، وتأخير تنفيذ حكم التحكيم، وربما صدور حكم برفض الدعوى مع ما قد يصاحبه من آثار مالية ومعنوية على الشركة أمام شركائها أو مموليها.
5. متى يُنصح بإدراج نص خاص بأتعاب المحاماة في شرط التحكيم؟
يُستحسن تنظيم مسألة أتعاب المحاماة في العقود ذات القيمة العالية أو التي يُتوقع فيها نزاعات معقدة، وذلك بالنص على ضوابط توزيع المصروفات والأتعاب، أو الإحالة إلى قواعد مؤسسات تحكيم معينة، بما يحد من الخلافات اللاحقة حول هذه المسألة.
نص الحكم وبياناته
ملخص موسع لنص الحكم كما ورد في المدخلات:
حكمت الدائرة برفض دعوى بطلان حكم التحكيم استنادًا إلى المادة (50) فقرة (4) من نظام التحكيم السعودي التي تنص على أن المحكمة المختصة تنظر دعوى البطلان دون أن يكون لها فحص وقائع وموضوع النزاع.
ادعى المدعي أن حكم التحكيم خالف المادة (50) فقرة (و) من النظام، بحجة أن الحكم فصل في مسائل غير مشمولة باتفاق التحكيم، وذلك لتضمنه قضاءً بأتعاب المحاماة للمحتكمة.
ردت المدعى عليها بأن استحقاق التعويض عن أتعاب المحاماة يُعد ضررًا ناشئًا بسبب النزاع المتعلق بالعقد الخاضع لشرط التحكيم، وأن الشرط ينص على إحالة كافة النزاعات الناشئة عن العقد أو المتعلقة به إلى التحكيم وفق نظام التحكيم السعودي، دون استثناء.
رأت الدائرة، بعد الاطلاع على حكم التحكيم، أن الدعوى مقبولة شكلًا، إلا أن سبب البطلان الذي استند إليه المدعي لا يدخل في الحالات المنصوص عليها في المادة (50) فقرة (1) من النظام. كما قررت أن أتعاب المحاماة من الطلبات المكملة للطلب الأصلي ولا تنفك عنه. وبناءً عليه، ولعدم استناد دعوى البطلان إلى ما هو مقرر شرعًا ونظامًا، قضت المحكمة برفض الدعوى.
بيانات الحكم كما هي متاحة:
- تصنيف الدعوى: التحكيم / شرط التحكيم / اتفاق التحكيم
- المحكمة: محكمة الاستئناف / المحكمة التجارية
- رقم القرار: ٨١٨٩٥٣٨
- تاريخ الحكم: لم يرد في الملخص المقدم
- رابط السجل القضائي: غير متوفر في البيانات المرفقة
الخلاصة
تؤكد هذه السابقة القضائية أن دعوى بطلان حكم التحكيم في النظام السعودي دعوى استثنائية ومحصورة في نطاق ضيق، وأن القضاء السعودي يميل إلى احترام ما استقر عليه حكم التحكيم طالما التزم بهيكل النظام وأحكامه. كما تقرر أن أتعاب المحاماة تعد جزءًا من الطلبات المكملة للنزاع الأصلي، وتدخل في نطاق شرط التحكيم متى كان الشرط عامًا وواسعًا.
بالنسبة للشركات والمستثمرين، يحمل هذا الحكم رسالة واضحة بضرورة العناية بصياغة شروط التحكيم في العقود، وعدم التعويل على دعوى البطلان كوسيلة لإعادة النزاع من جديد. ومن ثم يُنصح دائمًا بطلب رأي قانوني متخصص قبل اتخاذ قرارات جوهرية تتعلق برفع دعوى بطلان أو الدخول في إجراءات تحكيمية معقدة.
ملخّص تعريفي
يتناول هذا المقال دعوى بطلان حكم التحكيم في النظام السعودي من خلال تحليل سابقة قضائية صادرة عن المحكمة التجارية (محكمة الاستئناف) برقم ٨١٨٩٥٣٨، رفضت فيها المحكمة دعوى بطلان لكون السبب المدفوع به متعلقًا بأتعاب المحاماة التي اعتبرتها من الطلبات المكملة الداخلة في نطاق شرط التحكيم. يقدّم المحكَّم والمحامي محمد المزيّن قراءة نظامية وتطبيقية لهذا الحكم، ويوضح القاعدة القضائية المستفادة وأثرها على عقود الشركات والتحكيم التجاري في السعودية.

