قبل أشهر، تواصل معنا أحد عملائنا من كبرى الشركات التقنية بعد أن اكتشف أن موظفًا مهمًا لديه – مسؤول نظام ERP – انتقل إلى شركة منافسة حاملاً معه أسرارًا شديدة الحساسية عن البيانات التشغيلية والمالية. هذا الموظف استغل ثقة الإدارة وسعى لاستخدام تلك المعلومات لتحقيق مكاسب غير مشروعة لدى الشركة الجديدة.
هنا بدأ دور مكتب محمد المزين للمحاماة، حيث قمنا بتحقيق قانوني شامل، ورفعنا دعوى قضائية أثبتت خرقه للالتزامات الوظيفية واتفاقيات السرية (NDA)، ليصدر حكم نهائي بإقالته من عمله الجديد واسترداد جميع الرواتب والمزايا التي حصل عليها من الشركة المنافسة. هذه التجربة لم تكن مجرد انتصار قانوني، بل كانت رسالة واضحة: “المؤسسة التي لا تعرف موظفيها عن قرب، تفتح الباب لمخاطر لا يمكن تصورها.
ما هو KYE ولماذا أصبح ضرورة استراتيجية؟
“Know Your Employee ” أو “KYE ” يعني أن المؤسسة لا تكتفي بفحص سير الموظفين عند التوظيف، بل تستمر في متابعة سلوكهم، التزامهم، ونزاهتهم طوال فترة العمل، وحتى بعد مغادرتهم.
الهدف من KYE هو تقليل احتمالية الاحتيال الداخلي، تسريب المعلومات، أو تضارب المصالح.
لقد أثبتت التجارب العالمية أن غياب هذه المنهجية قد يؤدي إلى أزمات ضخمة، كما حدث في فضيحة باركليز حين تسبب التلاعب الداخلي في خسائر مالية وسمعة مدمرة، ولو كان لدى باركليز برنامج فعال من نوع KYE، لكشف مبكرًا عن السلوكيات المشبوهة.
ما هو دور مكتب المحاماة في بناء نظام KYE؟
هنا يبرز دور مكتب محاماة محترف في تأسيس نظام KYE فعال.
يبدأ الأمر من صياعة ومراجعة اللوائح الداخلية للشركات، وإدراج بنود واضحة لحماية أسرار العمل، ومنع الموظفين من الانتقال إلى المنافسين بشكل يضر بالشركة.
أما مكتب محامى متخصص في القضايا العمالية، فيلعب دورا حاسما في الملاحقة القانونية لكل من يخرق هذه اللوائح أو يسيء استخدام المعلومات السرية.
هذا يشمل:
- رفع دعاوى قضائية ضد الموظفين المخالفين.
- المطالبة بالتعويضات المناسبة.
- استخدام القوانين المتعلقة بالأسرار التجارية والملكية الفكرية.
- تقديم استشارات قانونية استباقية تمنع هذه المشاكل من الأساس.
دراسة في تعارض المصالح واستغلال الصلاحيات
في إحدى الشركات الكبرى العاملة في قطاع التطوير العقاري، تلقى مدير التسويق عرضًا مغريًا من شركة ناشئة في المجال نفسه.
ومع أنه لا يزال على رأس العمل، بدأ بهدوء في تنفيذ خطة للانتقال الاستراتيجي: استقطب ثلاثة من أفضل المسوقين تحت إدارته، وسهّل خروجهم، مستغلًا صلاحياته الإدارية في تعديل التقييمات ومنحهم تسهيلات إنهاء ناعمة.
لكن ما لم يكن بالحسبان حدث لاحقًا.
أحد هؤلاء الموظفين – وبعد توقيعه على الاستقالة – عاد إلى مدير الموارد البشرية، طالبًا الرجوع إلى عمله السابق.
لكنه لم يأتِ فارغ اليدين، بل بكشف صريح عن تحركات مديره السابق: التحريض، والتخطيط للإضرار بالشركة من الداخل، والتنسيق المسبق مع الشركة المنافسة.
عند تسليم الملف إلى مكتب محمد المزين للمحاماة، تم بناء القضية على أساس مزدوج:
- أولًا، أن ما قام به المدير يُعد استغلالًا غير مشروع للمركز الوظيفي لتحقيق مكاسب شخصية، وهو ما تنص عليه الفقرة (8) من المادة 80 من نظام العمل.
- ثانيًا، أن تصرفه يُعد عملًا مخلًا بالأمانة تجاه صاحب العمل، بإفشاء نوايا عدائية وتحريض موظفين على المغادرة، وهو ما تنطبق عليه الفقرة (3) من المادة نفسها.
تم رفع دعوى قضائية تطالب بالفصل دون مكافأة أو تعويض، إضافة إلى المطالبة بتعويضات عن الخسائر الناتجة عن خروج الموظفين بشكل جماعي، مما شكّل سابقة عملية في تفعيل KYE كأداة لكشف المخاطر قبل أن تتحول إلى كوارث تشغيلية.
كيف تُسهم القضايا العمالية في كشف فشل الحوكمة الداخلية؟
في عام 2016، هزّت فضيحة ويلز فارجو القطاع المصرفي الأمريكي، بعد أن تبيّن أن آلاف الموظفين فتحوا حسابات وبطاقات ائتمان وهمية باسم العملاء دون علمهم، بهدف تحقيق أهداف مبيعات داخلية صارمة.
لكنّ الانكشاف لم يكن فقط على المستوى المالي أو الإداري، بل قاد إلى موجة من القضايا العمالية، حيث خرج موظفون يفضحون ثقافة الترهيب الوظيفي، والمحاسبة القاسية على الأهداف، مما كشف عن بيئة عمل مضطربة افتقدت لأدنى معايير الحوكمة الداخلية.
النتيجة؟ غرامات مالية، استقالات جماعية، وتدمير سمعة مؤسسة كانت تُعد من الأبرز في قطاعها.
هذه الحادثة تثبت أن الخطر لا يكمن فقط في أرقام المبيعات أو الأداء، بل في إغفال مؤشرات السلوك الداخلي وغياب نظام فعال مثل KYE لرصد المخاطر مبكرًا.
فعندما تتحول بيئة العمل إلى مصدر ضغط لا أخلاقي، تكون النتيجة إما فضيحة خارجية أو قضية عمالية داخلية، وكلاهما مدمر.
كيف تطبق KYE دون تعقيد إداري؟
تطبيق “اعرف موظفك” (KYE) لا يعني تعقيد الإجراءات أو تضخيم الإدارة، بل يعتمد على خطوات عملية ومترابطة، تبدأ من التوظيف ولا تنتهي بخروج الموظف:
1. فحص ما قبل التوظيف
ابدأ من الجذر: راجع السجل المهني والسلوكي للمرشح، استفسر – إن لزم – من جهات عمله السابقة، واطلب منه الإفصاح عن أي ارتباطات بمنافسين أو مصالح خاصة.
هذه الخطوة تبني أول جدار حماية ضد المخاطر البشرية المحتملة.
2. التقييم الدوري
KYE عملية مستمرة، وليست لحظة توظيف فقط.
قم بمراجعة دورية لسلوك الموظفين، خصوصًا في الإدارات الحساسة مثل المالية، التقنية، والموارد البشرية.
يساعدك ذلك على رصد التغيرات غير المبررة وتوقع الانحرافات قبل وقوعها.
3. مراجعة اللوائح الداخلية للشركات
اللائحة الداخلية ليست ورقة توضع في الأدراج، بل هي أداة وقاية ومرجعية.
احرص على مراجعتها دوريًا، خصوصًا البنود المرتبطة بالسرية، النزاهة، تضارب المصالح، والانتقال للمنافسين.
استعن بـ مكتب محاماة متخصص في مراجعة اللوائح الداخلية للشركات لضمان توافقها مع النظام السعودي.
اللوائح الدقيقة تمنحك القوة النظامية للتحرك عند الحاجة.
4. برامج تدريب داخلية
ثقافة الامتثال تُزرع ولا تُفرض.
نفّذ دورات تدريبية دورية حول حماية المعلومات، الحوكمة، والقيم المؤسسية.
الموظف المدرك لمسؤولياته أقل عرضة للسلوك غير المهني.
5. متابعة ما بعد التوظيف
العلاقة لا تنتهي بتسليم الموظف بطاقة الخروج.
تأكّد من تضمين بنود تمنع استغلال الأسرار بعد المغادرة، وفعّل أدوات مراقبة عند الاشتباه بانتقال ضار لمنافس.
اتفاقيات عدم الإفشاء (NDA) وبنود عدم المنافسة أدوات تحميك بعد خروج الموظف.